الوساوس هي الأفكار والدوافع الغريزية التي تصيب الإنسان بالقلق والشكّ بشكل متكرّر. وهي حين تزداد وتصبح خارجة عن السيطرة، تؤدّي إلى ما يسمّى ب “اضطراب الوسواس القهري”. بحسب موقع PubMed يعاني حوالي 2% من الناس في العالم من هذا الاضطراب النفسي. سنتطرّق في هذا المقال إلى أعراض هذا الاضطراب، وسنناقش العلاجات المتعارف عليها كما كيفية استخدام تمارين اليقظة، و ما يعرف بالتأمل الواعي، في التعامل مع الوساوس بشكل فعّال.
تأثير اضطراب الوسواس القهري
لا شكّ أن اضطراب الوسواس القهري يؤثر على نوعيّة حياة المصاب به بشكل كبير، إذ أنّ المصاب يشعر بالهوس بأشياء أو أفكار أو صور أو رغبات متكرّرة بشكل متواصل، ورغم إدراكه أنّها غير منطقية، إلّا أنّه يعجز عن إيقافها، رغم محاولاته المستمرّة لمقاومتها أو الهرب منها. وكنتيجة لذلك، يأخذ المصاب وقتاً أطول في إكمال مهامه اليومية، كما أن ذلك قد يؤثر على علاقاته الاجتماعية بشكل كبير.
الأعراض
بحسب موقع ويكيبيديا، إنّه من غير المألوف أن تظهر أعراض الاضطراب بعد سنّ الخامسة والثلاثين، في حين أنّ حوالي نصف الناس الذين لديهم مشاكل بسببه، كانت قد ظهرت لديهم الأعراض قبل سنّ العشرين، كما تتساوى نسبة الإصابة به بين الرجال والنساء. ومن الممكن تقسيم الأعراض إلى نوعين. النوع الأوّل يحتوي على أعراض متعارف عليها، أي أنها مشتركة بين العديد من المصابين بهذا الاضطراب. والنوع الثاني يعتبر فرديّاً، أي أنه ذات خصوصية معيّنة للشخص. غالبًا ما تتمحور هذه الوساوس حول مواضيع معينة مثل: الهوس بالنظافة والخوف من التلوّث، الحاجة إلى أن تكون الأشياء منظمة ومتناسقة بشكل مبالغ فيه، أفكار عدوانية حول إيذاء نفسك أو الآخرين، أفكار غير مرغوب فيها، بما في ذلك العنف أو الموضوعات الجنسية.
العلاجات
بحسب موقع مايو كلينيك، إن علاج اضطراب الوسواس القهري قد لا يؤدّي إلى شفاء كامل، لكنّه يساعد المصاب على التعامل مع الأفكار والصور المتكررة بشكل يجعل الأعراض تحت السيطرة، فلا تؤثر بشكل كبير على حياته اليومية. وتعتمد مدة العلاج على مدى صعوبة الحالة وخطورتها. أما بالنسبة لأنواع العلاج، فثمّة نوعان أساسيّان متعارف عليهما من العلاج: النوع الأول هو العلاج السلوكي المعرفي، والذي يتطلب من المريض أداء تمارين وتجارب للتعامل مع الأعراض بدل محاولة مقاومتها والهرب منها. والنوع الثاني هو العلاج الدوائي عبر مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI) التي تهدف لزيادة السيروتونين في أماكن معينة من المخ، ذات صلة بالوسواس القهري، ويتم الجمع بين العلاجين معظم الأحيان.
يعتبر TMS من العلاجات المرخص لها من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية والتي تساعد على محاربة الوسواس القهري
علاجات بديلة
في السنوات الأخيرة، بدأت أبحاث تتطرّق لاستخدام ما يسمّى بال mindfulness أو ما يطلق عليه بالعربية ب”اليقظة” في التعامل مع أعراض اضطراب الوسواس القهري. اليقظة هي قدرة الإنسان على أن يكون حاضراً بشكلٍ كامل، وأن يكون مدركاً لمكان وجوده وما يقوم به، بدل أن يكون منغمساً في أفكاره وممارساً لردّات الفعل من دون وعي. ورغم أن اليقظة هي شيء نمتلكه جميعاً بشكل طبيعيّ، إلّا أننا نحتاج أن نتدرّب عليه يوميّاً لكي يصبح متاحاً في حياتنا بسهولة أكبر. عندما يكون الإنسان واعياً لما تختبره حواسه في أي لحظة، وعندما يكون مدركاً لحالته الذهنية عبر أفكاره وعواطفه، فإنه بذلك تكون يقظاً، ويؤدّي ذلك مع الوقت إلى إعادة تشكيل البنية المادية للعقل.
لا شكّ أن ممارسة التأمل الواعي بشكل دائم يؤدّي إلى سهولة الشعور باليقظة خلال الحياة اليومية. والتأمل الواعي هو التدرّب على مراقبة أفكارنا ومشاعرنا من دون الانخراط فيها. فنستطيع من خلال ذلك التعامل بشكل أفضل مع الوساوس إذ أنّ ذلك يعطينا مساحة لكي نذكّر أنفسنا أنّ الوساوس غير حقيقية.
وعوضاً عن رفضها أو طردها أو الهروب منها، نتقبّلها تماماً ونراها كما نرى بقيّة أفكارنا من دون تمييز، فلا نطلق الأحكام عليها ولا نحاول التشبّث بها. فقط نراها تمضي ونتقبّل مرورها تماماً. قد لا نستطيع التحكم بالوساوس بشكل كامل، لكننا بلا شك نستطيع التحكم بردة فعلنا عليها. يجب على المصاب أن ينتبه للوساوس حين تأتي، وأن يدرك، عبر التأمل الواعي، أنّها أفكار غير حقيقية، فلا ننجرف في التفكير فيها وأخذها بجدية. لا شكّ أنّ ذلك ليس سهلاً، خصوصاً أنّ الوساوس تسبّب حالة من التوتّر والقلق، تخرجنا عن حالتنا الطبيعية، لكنّ ممارسة التأمل الواعي والتدرّب على اليقظة يساعد في تقبّل الأفكار والتخفيف من حدّتها، والتعامل مع الأعراض بوعي أكثر.
إن اضطراب الوسواس القهري هو حالة معيقة للغاية إذا تركت من دون علاج. وعلى الرغم من أن العلاج السلوكي المعرفي مع أو بدون مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI) هي الطريقة المتعارف عليها للعلاج، فإن حالات كثيرة لا تستجيب للعلاج. بينما تمّ في السنوات الأخيرة إثبات أهميّة ممارسة التأمل الواعي واليقظة في التقليل من أعراض هذا الاضطراب، والتعامل معها بشكل أفضل.
وللمزيد من المحتوى اليومي المبني على دراسات علمية لنوم أفضل وتوتر أقل، قوموا بتحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي وتابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي.