بيئة العمل

لماذا نكره النقد وكيفية التعامل معه

لقد تعرض معظمنا للذهول أو الصدمة في مرحلة ما من حياتنا من جراء رأي أو نقد جارح. من الممكن أن يكون ذلك قد حدث في خضم اجتماع  أو مراجعة للأداء في العمل أو من قبل شركائنا وأصدقائنا أو حتى أهالينا. قد يتلقَى الشخص تعليقًا لفظيًا يهز توازنه النفسي.  في نتائج استطلاع تم اجراؤه عبر الانترنت،  […]

لقد تعرض معظمنا للذهول أو الصدمة في مرحلة ما من حياتنا من جراء رأي أو نقد جارح. من الممكن أن يكون ذلك قد حدث في خضم اجتماع  أو مراجعة للأداء في العمل أو من قبل شركائنا وأصدقائنا أو حتى أهالينا. قد يتلقَى الشخص تعليقًا لفظيًا يهز توازنه النفسي. 

في نتائج استطلاع تم اجراؤه عبر الانترنت،  قامت بالإشارة إليه منشورات جامعة هارفرد، في أنه قد تم النظر في ٤٤٥ موقفا من هذا القبيل وقد قام هذا الاستطلاع بدراسة أصعب التعليقات وردود الفعل على الإطلاق، التي تلقاها المشمولون في الاحصاء.

كانت بعض التعليقات قاسية جدا مثل:

  • لا بد لك من أن تفكر في المغادرة والاستقالة.
  • نحن بحاجة لمحاربين، لا لجبناء.
  •  أنت تعتقد أنك دائماً على حق . 
  • يا لك من شخص متلاعب. 
  • أنت لا تهتم بالآخرين.
  • حقّاً أنّك شخص أناني.
  • بالنسبة لي أنت فاشل.

وكان البعض الآخر أقل حدة على الرغم من أنه كان مباشرًا، مثل:

  • عندما تفقد أعصابك، يمكنك أن تجعل الآخرين يشعرون بعدم الأهمية.
  • تحتاج إلى تحسين رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بك من خلال ذكر الحقائق فقط وعدم جعلها منمقة جدًا أو ناعمة.
  • عندما تتحدث مع الآخرين، قد يشعرون أنك لا تعرف ما تقول.
  • أنت  غير قادر إكمال المهام التي توكل اليك.

أثر النقد النفسي – حسب الدراسة

هذا وقد بيَّن الاستطلاع بأن العديد من المشاركين في الدراسة تطاردهم التعليقات القاسية التي تلقوها منذ عقود. من الممكن أن نتفهم هذا الشعور من تجربة شخصية مررنا بها. وقد نكون ما زلنا نشعر بضيق في الصدر وشعور بالرهبة العميقة عندما نتذكر وصف زميل لنا بالحمق أو السذاجة جرَّاء تصرف بسيط.

من الممكن توقُّع أن أولئك الذين تلقوا انتقادات شديدة، شعروا بأنهم أسوأ من أولئك الذين تلقوا تعليقات ألطف. ولكن، من المدهش أن الاستطلاع قد بيَّن، أن الأشخاص الذين تلقوا تعليقات أقل حدة أفادوا بأنهم غارقين كذلك في الشعور بالضيق والانزعاج.

بيَّن الاستطلاع كذلك أن بعض المشاركين قد أصبحوا محاربين لأي نقد يوجَّه إليهم، بغض النظر عن شدته. فما يقرب من 90٪ وصفوا استجابتهم العاطفية الفورية بكلمات مثل: مذهول، مصدوم، و 40٪ وصفوا مشاعر مرتبطة بـ “العار” مثل: الإحراج، عدم القيمة، الأذى، الحزن، الشك الذاتي. وكان رد فعل 15٪ بمشاعر ركزت على الشخص الآخر: الغضب أو الخيانة أو العنف.

لماذا قد يمارس الأشخاص النقد؟

بحسب موقع سيكولوجي توداي، فإن النقد يُعَد شكل سهل من أشكال الدفاع عن النفس. نحن لا ننتقد لأننا نختلف مع سلوك أو موقف. بل في الغالب نحن ننتقد لأننا بطريقة ما نشعر بأن السلوك أو الموقف يجعلنا نشعر أن لا قيمة لنا. يميل الأشخاص الناقدون إلى الإهانة بسهولة وخاصة وقت الحاجة إلى الدفاع عن الذات.

غالبًا ما يكون الأشخاص الناقدون قد تعرضوا للانتقاد  في مرحلة الطفولة المبكرة من قبل القائمين على رعايتهم أو الأشقاء أو الأقران، في عمر من الممكن أن يكون فيه النقد مؤلمًا بشكل خاص. بحيث لا يمكنهم التمييز بين نقد سلوكهم والرفض الصريح لهم، بغض النظر عن مدى محاولتنا التمييز بين الأمرين، كما هو الحال في حسن النية والطرح اللطيف، “أنت فتى صالح ، لكن هذا السلوك سيء”. لكن ذلك التمييز يتطلب عملية وعي عالية، والتي تفوق وعي ومقدرة  معظم الأطفال الصغار، فبالنسبة لطفل عمره أقل من سبع سنوات، فإن أي شيء أكثر من النقد العرضي، حتى لو كان خفيفًا، من  الممكن أن يعني له أنه سيء ولا يستحق وبلا قيمة.

لماذا يؤلمنا النقد؟

لماذا قد تسبب الملاحظات الناقدة العادية بنفس القدر من الألم الذي تحدثه الهجمات اللاذعة؟ 

الجواب هو: كلنا نتوق إلى موافقة الآخرين ورضاهم عنا ونخشى الحقيقة، خصوصا ان كان فيها أقل تلميح بعكس ذلك. وقد تشعرنا الملاحظات النقدية بالصدمة، لأنها تهدد وتمس اثنين من احتياجاتنا النفسية الأساسية: 

  • الأمان (الأمان الجسدي أو الاجتماعي أو المادي) 

هناك أوقات تتضمن فيها التعليقات الناقدة تهديدات، بشكل كامن أو ظاهر، تتعلق بالجوانب المالية مثل: “سأطردك”، أو التهديدات  المرتبطة بالعلاقات مثل: “سأتركك”، أو حتى التهديدات الجسدية مثل: “سأضربك”. في هذه الحالات، الخوف هو الاستجابة الصحيحة والمنطقية. 

لكن بالعودة إلى استطلاع منشورات جامعة هارفرد، فإن٤٤٥ حالة تم الإبلاغ عنها في الدراسة، أظهرت أن التهديدات المباشرة هي استثناء نادر، وفي معظم الحالات، فإن استجابتنا الدفاعية أو الهجومية أو الاستياء كرد فعل للتعليقات هي التي تعرضنا للخطر أكثر من التعليقات نفسها.

  • القيمة (الشعور باحترام وتقدير الذات أو الثقة بالنفس).

 إذا كان تعلم الحقيقة مفيدًا عبر التعليقات الناقدة، فلماذا يثير فينا الخزي والخوف والغضب؟ يحدث ذلك لأننا نعيش مع شعور مرعب وخفي في أننا قد نكون بلا قيمة أو أننا لا نستحق، وتقوم هذا التعليقات بتحفيز ذلك أو حتى تأكيده بالنسبة لنا بشكل غير واعي.

كيف نتعامل مع النقد بطريقة صحية

بحسب درجة التأثّر بالنقد، من الممكن إيجاد طريقة للتحكم به وإدارته، قد يكون الأساس مرضي وشكل من أشكال الفوبيا الاجتماعية، مما قد يحتاج إلى مختص ولعلاج نفسي. لكن بحسب منشورات جامعة هارفرد، فإن الطرق التالية ممكن أن تساعدك في تخطي النقد بمرونة عاطفية ونفسية جيدة:

استجمع نفسك عند تلقي النقد.

تنفس بعمق، يذكرك التنفس بعمق وببطء أنك آمن،  يشير إلى دماغك بأنك لست بحاجة إلى الدفاع جسديا. مراقبة مشاعرك تساعد أيضًا، فقم بسؤال نفسك: هل أنت مجروح، خائف، محرج، تشعر بالعار؟ كلما كنت أكثر ارتباطًا بهذه المشاعر الأساسية، قل استهلاكك للتأثيرات الثانوية لعملية النقد مثل الغضب أو موقف الدفاع أو الخوف المبالغ فيه. 

من الممكن أيضا أن تذكر نفسك بوعي عن طريق بعض العبارات التي ستساعدك على الاحتفاظ بهدوئك، على سبيل المثال “هذا التعليق لا يمكن أن يؤذيني. أنا آمن.” أو “إذا ارتكبت خطأ، فهذا لا يعني أنني شخص خاطئ، هو فقط سلوك خاطئ.”

حاول أن تفهم

 كن فضوليا واطرح أسئلة واسأل عن أمثلة توضح ذلك التعليق والنقد الذي وجه لك. وبعد ذلك فقط استمع للاجابة. حاول أن تفصل نفسك عما يقال وكأنه يقال عن شخص ثالث. سيساعدك ذلك على تجاوز الحاجة إلى تقييم ما تسمعه بحدة. ببساطة تصرف كمراسل أو صحفي جيد يحاول فهم القصة.

امنح نفسك فرصة ووقت للاستيعاب والتعافي. 

غالبًا ما يكون من الأفضل في هذه المرحلة الخروج من المحادثة. اشرح للشخص المقابل، أنك تريد بعض الوقت للتفكير وسترد عندما يكون لديك فرصة للقيام بذلك. امنح نفسك الإذن للشعور بالتجربة والتعافي منها قبل إجراء أي تقييم لما سمعته. بإمكانك أن تقول بكل بساطة: “سألقي نظرة على ذلك.” كما يمكنك إنهاء موقف صعب بأن تقول ببساطة: “من المهم بالنسبة لي أن أفهم هذا بشكل صحيح. انا بحاجة الى بعض الوقت. وسأعود إليك لأعلمك بموقفي من ذلك”.

تفاعل

افحص ما قيل لك. إذا كنت قد أنجزت عملاً جيدًا قم بطمأنة نفسك بأنك آمن وذو قيمة وتستحق. في هذه الحالة، بدل محاولة إيجاد ثغرة في التعليق الناقد ودحضه، ستقوم بالبحث عن الحقيقة. إذا كان 90٪ من التعليق الناقد غير حقيقي، و 10٪ قد يكون حقيقي، فابحث فيما يمكن أن يكون حقيقيا في هذا النقد حتى تتعلم وتعرف الحقيقة. 

هناك دائمًا جزء ولو بسيط من الحقيقة فيما يقوله الناس لك، قم بفحص التعليقات التي ترد لك، حتى تعلم ما هي تلك الحقيقة. إذا كان متاحا أعد التواصل مع الشخص الذي شاركك التعليقات الناقدة وأقر بما سمعته وما تقبله وما تلتزم بفعله وما لا تراه منطبقا عليك. في بعض الأحيان ، قد يعني هذا مشاركة وجهة نظرك للأشياء وزاويتك في تحليل الأمور. إذا فعلت ذلك دون الحاجة أو الرغبة في الحصول على رضا الآخرين، ستطرح رأيك دون أن تكون دفاعيا أو هجوميا.

اليقظة الذهنية والتأمل

تقول الكاتبة روبي واكس: “تعمل اليقظة الذهنية على تنشيط جزء (الراحة والمعالجة) في نظامنا العصبي وزيادة تدفق الدم إلى أجزاء من دماغنا التي تساعدنا على تنظيم عواطفنا. فيتباطأ معدل ضربات القلب، ويتباطأ تنفسنا، وينخفض ضغط الدم.

بناء على ذلك، اتضح أن اليقظة الذهنية، قد تساعدك على بناء وتنشيط أجزاء من دماغك والتي لا تمنعك فقط من الانتقاد والصد والدفاع في مواجهة النقد، بل من الممكن أن يعزز أيضًا قدرتك على النظر في الأدلة المخبأة في النقد والتعلم منها.

وللمزيد من المحتوى اليومي المبني على دراسات علمية لنوم أفضل وتوتر أقل، قوموا بتحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي وتابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي.

د. نايف المطوع

الدكتور نايف المطوع صاحب عدة مبادرات ورجل أعمال حائز على عدة جوائز، وأخصائي نفسي وتنويم مغناطيسي ومؤسس مركز السور للعلاج والتقييمات الاحترافية، المركز الريادي في الكويت بمصادره المتنوعة من الخدمات النفسيَة. وهو مرخص على التوالي من ولاية نيويورك ودبي وبحرين وقطر والكويت، ومن الرابطة الوطنية لأخصائيي التنويم المغناطيسي وعضو الجمعية النفسية الأمريكية.  
 
الدكتور نايف أستاذ مساعد وعضو هيئة التدريس في كلية الطب بجامعة الكويت، حيث يدرس علم النفس الإكلينيكي، ومهارات التواصل والكتابة الإبداعية والعلاج السلوكي الإدراكي منذ سنة 2005. وهو أخصائي نفسي في المشاكل الجنسية مرخص من طرف الجمعية الأمريكية لأخصائيي التربية والعلاجات والاستشارات الجنسية.

مقالات ذات علاقة

جرب تطبيق تهون مجانا الآن!

ستحصل على جلسات وبرامج مخصصة بناءا على أهدافك التي تود تحقيقها

  • التحميل من متجر آبل
  • التحميل من متجر جوجل