كان «نديم» يتجنب التحديات في عمله، ولم يكن لديه فهم واضح لما يريد تحقيقه على المدى الطويل. لم يكن على دراية بتأثير أفعاله وحالاته المزاجية وعواطفه على الآخرين في مكان العمل. حاول السيطرة على انفعالاته، لكنه مع الوقت أحس بصعوبة في التواصل مع الآخرين، وتجنبه بعض زملائه. زاد كل ذلك من توتره وعرضه للضغط النفسي؛ مما أثر على أدائه الوظيفي. في أحد الأيام، طلب مديره الاجتماع به، فاعتقد أنه على وشك الفصل من العمل. بدلًا من ذلك، نصحه بتطوير مهارات الذكاء العاطفي ليتمكن من اجتياز عقبات بيئة العمل. لكن ما هي تلك المهارات؟ وكيف يمكن توظيفها في بيئة العمل؟
ما هي مهارات الذكاء العاطفي، وما أهم مبادئها في بيئة العمل؟
مهارات الذكاء العاطفي هي مجموعة من المهارات تمنح الفرد القدرة على فهم وإدارة عواطفه ومشاعر الأشخاص من حوله، واستخدام المشاعر للتحفيز والتخطيط والإنجاز. تعد مهارات الذكاء العاطفي حيوية وفعّالة للتواصل بين الأشخاص. وأصبحت محل اهتمام تخصصات متعددة، بما في ذلك بيئة العمل؛ حيث تساهم في بناء العلاقات المهنية.
عند التعامل مع تفاصيل العمل، فنحن بحاجة إلى نظرة دبلوماسية، والتعبير عن أنفسنا بوضوح وفعالية مع الزملاء والعملاء. تتضمن هذه المهارات التعرف على الجوانب المختلفة لمشاعرك، وأخذ الوقت للعمل على المبادئ والأبعاد التالية:
الوعي الذاتي: القدرة على التعرف على المشاعر الشخصية والمحفزات العاطفية ونقاط القوة والضعف والأهداف وتأثيرها على الآخرين.
التنظيم الذاتي: القدرة على إدارة العواطف حتى لا يكون لها تأثير سلبي.
التحفيز: دافع داخلي يأتي من الفرح الشخصي الذي نشعر به بعد الإنجاز.
التعاطف: القدرة على التعرف على مشاعر الآخرين وفهمها ومراعاتها عند اتخاذ القرارات.
المهارات الاجتماعية: القدرة على التفاعل والتفاوض مع الآخرين، لإيجاد أفضل طريقة لتلبية احتياجات كل شخص.
إدارة الصراع: الكفاءة للتعامل مع المواقف الصعبة والتفاوض بشأنها وحلها بلباقة.
ما ضرورة مهارات الذكاء العاطفي في بيئة العمل؟
يعتقد العديد من خبراء الصحة العقلية أن الذكاء العاطفي هو أحد أساسيات بيئة العمل. فإن الموظفين ذوي الذكاء العاطفي المرتفع أكثر قدرة على التعاون مع الآخرين، وإدارة الضغوط المرتبطة بالعمل، وحل النزاعات، والتعلم من الأخطاء الشخصية السابقة.
ويرى «دانيل جولمان» في كتابه «الذكاء العاطفي»، أن الزبائن يميلون لإنفاق 23% أكثر، إذا استخدم خبراء المبيعات الذكاء العاطفي. وطبقًا لدراسة استقصائية شملت أكثر من 2600 من مديري التوظيف، وُجد أن 75% منهم يميلون إلى اختيار من يتمتع بذكاء عاطفي عالٍ مقارنة بمرشح يتمتع بمعدل ذكاء عالٍ. تزيد مهارات الذكاء العاطفي من قدرة المرء على اتخاذ قرارات سليمة، وبناء علاقات تعاونية والحفاظ عليها، والتعامل بدرجة أكبر مع التغيير المستمر.
يمنحنا الوعي بذاتنا نظرة ثاقبة لنقاط قوتنا وضعفنا، وفهم كيف تؤثر عواطفنا على أفعالنا؛ فنكون أكثر تقبلًا للتعليقات والنقد البناء. يساعدنا أيضًا على ضبط النفس في التعامل مع أوقات الاختبار والمواقف الصعبة.
ما هي مظاهر الذكاء العاطفي في بيئة العمل؟
يمكن أن يساعد فهم أمثلة الذكاء العاطفي في تقدمك الوظيفي. يمكنك تحسين التعاون بين زملائك وتطوير علاقات صحية مع صاحب العمل والعملاء، إذا أظهرت ذكاء عاطفيًا عاليًا. فيما يلي بعض الأمثلة على الذكاء العاطفي في بيئة العمل:
التواصل الفعال: التحدث إلى زملائك في العمل أو مديرك بوضوحٍ واحترام، يُظهر مدى ذكائك العاطفي. إذا استغرقت وقتًا لفهم مشاعر زملائك قبل التحدث، سيؤدي ذلك إلى محادثات أكثر إنتاجية وبناء علاقات أقوى.
التجاوب الإيجابي مع المبادرات الجديدة: يساعدك إظهار تفهمك لما يطلبه منك مديرك واستعدادك للعمل لتحقيق ذلك، على تحسين علاقاتك وكسب المزيد من الثقة والمسؤوليات.
التحلي بالمرونة: التكيف السريع مع المواقف المتغيرة دون تدخل رؤسائك، وتفهّم أسباب هذه القرارات والتعاطف مع من تؤثر عليهم، سينعكس عليك بشكلٍ إيجابي. أيضًا، مساعدة زملائك من خلال تولي بعض مهامهم، قد يشجعهم على فعل الشيء نفسه معك إذا دعت الحاجة.
تحمل مسؤولية أخطائك: تحمل المسؤولية والتفكير في خطئك بدلًا من لوم الآخرين، يمكنك من التعامل مع المشكلات المستقبلية بشكلٍ أفضل؛ إذ تأخذ وقتًا للتعلم من الماضي.
مواجهة التحديات: إن سؤال الآخرين عما إذا كانوا بحاجة إلى المساعدة هو إحدى الطرق لمواجهة تحديات جديدة. كذلك البحث المستمر عن فرص لتطوير مهاراتك؛ مما يجعلك متعدد الاستخدامات.
مهارات الذكاء العاطفي لتحسين الأداء وزيادة الإنتاجية
ينجز الأشخاص غير المتحمسين عملهم لأنهم مضطرون لذلك. أما المتحمسون يذهبون إلى أبعد الحدود. وقتها، حتى الأهداف المستحيلة تصبح قابلة للتحقيق. للحصول على أداءٍ عالٍ، تحتاج إلى إثارة حماس فريقك. وإذا قمت بتهيئة الظروف لإلهامهم وتوجيه جهودهم نحو هدف مشترك كبير، سينقلون حماسهم إلى زملائهم. بزيادة عدد الأشخاص الذين يمكنك إثارة أفكارهم، يتحسّن الأداء والإنتاجية.
يقاس نجاح الشركات بمدى إنتاجية موظفيها، لكن يجب ألا نركز على مقاييس ومؤشرات إنتاجية الموظف وأساليب مراقبتها فقط. تتحقق الإنتاجية أيضًا بشعور الموظف بالرضا والسعادة في بيئة العمل. إذا كانت استراتيجيات الإدارة تعطي الأولوية للمشاركة والتحفيز وفهم مشاعر الموظفين، فسنجد أن الإنتاجية تتحسن بشكلٍ طبيعي.
الأفراد الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي يكونون أكثر انضباطًا ذاتيًا، وبالتالي أكثر نشاطًا في تولي زمام القيادة والقيام بالمهام، أو ضمان إنجاز المهمة. غالبًا ما يُعتبرون قادة بالفطرة، وهم أيضًا ممتازون في إشراك وتشجيع الزملاء، ودفعهم لتحقيق أفضل ما لديهم، وتعزيز إنتاجية الفريق.
حاولت دراسة الربط بين أحد أبعاد الذكاء العاطفي (التركيز على مشاعر الآخرين) والأداء الوظيفي في الوظائف الاجتماعية. كان المشاركون مندوبي مبيعات، يبيعون اشتراكات للجمعيات الخيرية. تمت التجربة عن طريق استطلاعات يومية يكتبونها مباشرةً بعد آخر اتصال بالعميل. أظهرت التحليلات، أن تقييمهم وفهمهم لمشاعر عملائهم مرتبطًا بشكلٍ إيجابي بالأداء الوظيفي وزيادة المبيعات. كان مندوبو المبيعات الذين يقيّمون مشاعر الآخرين، لديهم فرصة أفضل من غيرهم لبيع الاشتراك، وبيع المزيد من الاشتراكات في يومٍ واحد.
استراتيجيات لتطوير مهارت الذكاء العاطفي في بيئة العمل
يمكن أن يكتسب بعض الناس مهارات الذكاء العاطفي بشكلٍ طبيعي، إلا أنه توجد أشياء تساعد الجميع في تحسين هذه المهارات في بيئة العمل. إذا كنت تريد أن يراك الآخرون كفؤ في عملك، فإن تطوير مهارات الذكاء العاطفي هو المفتاح. ستلاحظ مدى تأثيره المباشر على نجاحك الشخصي والمهني بأكثر من طريقة. كيف ننمي تلك المهارات؟ إليكم بعض الطرق:
كتابة اليوميات: من خلال تدوين أفكارك، يمكنك تحديد أنماط معينة حول سلوكياتك وردود أفعالك وسلوكيات الآخرين. ستصبح أكثر وعيًا بما يزعجك، لتجنب حدوثه في المستقبل، أو تعرف ما يمكنك القيام به لتحسين نفسك.
ممارسة التعاطف: لا يسمح التعاطف فقط بفهم عواطف زملاء العمل بدقة، ولكنه يسمح أيضًا بفهم مشاعرك بدقة. إنك تأخذ الوقت الكافي لفهم وتصور ردود أفعالك ومشاعرك في المواقف مع الآخرين.
بناء الوعي الذاتي: إن أهم شيء في بناء الذكاء العاطفي هو تطوير الوعي بكيفية تحفيز مشاعرك ودوافع سلوكك. لذا، ابذل جهدًا واعيًا للتفكير فيما تشعر به سواء كان سلبيًا أو إيجابيًا. خذ ثانية وفكر في سبب شعورك بهذه الطريقة، وما سبب مثل هذه الاستجابة العاطفية القوية.
الامتنان: الامتنان هو عمل صغير له فوائد ضخمة. التعبير السريع عن الشكر لزميل أو إظهار التقدير في اجتماع، يمكنه أن يُظهر فيضان الجهود لبذل أكثر مما هو مطلوب.
ممارسة الاستماع الفعال: حاول التركيز على ما يقوله المتحدث وأظهر أنك متهم بإعادة الصياغة واستخدام إشارات غير لفظية أخرى مثل الإيماء. بذلك سيكون من الأسهل التواصل مع الآخرين وفهم أفكارهم ومشاعرهم.
صقل مهارات الإقناع: بالقدرة على التأثير في مكان العمل وإقناع أعضاء الفريق والمشرفين بالاستماع إلى أفكارك، يمكنك أن تقطع شوطًا طويلًا في النهوض بحياتك المهنية.
تجنب النميمة: لا يمكنك معاملة مكان عملك مثل نادٍ اجتماعي. تحتاج إلى تجنب الدردشة الخاملة مع زملاء العمل. إلى جانب ذلك، لا تتحدث عن الناس خلف ظهورهم أو تنشر الشائعات والقيل والقال.
التحفيز الذاتي: لا أحد يريد أن يكون مسؤولًا عن تحفيزك. لذا، يجب أن تجد طرقًا لتطوير حافزك الداخلي وسلوكك الإيجابي. أيضًا، إذا كنت صاحب العمل، فإن الاعتماد على الدافع الخارجي يمكن أن يضر بالذكاء العاطفي لفريقك.
وأخيرًا .. نهونها وتهون
إن تطوير مهارات الذكاء العاطفي يتعلق بما هو أكثر من مجرد المشاعر أو أن نكون مستمعين جيدين. عندما نصبح أكثر راحة في التواصل وفهم كيفية قيادة مشاعرنا وسلوكياتنا، سنجد أنفسنا أقل إحباطًا وأكثر مرونة وقدرة على احتضان الصراعات. لا يتعلق النجاح الوظيفي بمعدل ذكاء عالٍ أو قدرة فكرية، لكن إدارة عواطفنا واحدة من أفضل المهارات اللازمة للنجاح في بيئة العمل وفي الحياة الشخصية.
ولمزيد من وسائل تنمية مهارات الذكاء العاطفي، يحتوي تطبيق «تهون» على محتوى صوتي أصلي ومتجدد باللهجة الخليجية للتعامل مع التحديات اليومية، مثل: مشاكل التغذية والنوم، والتوتر، وقلة الإنتاجية. بالإضافة للوصول إلى الأهداف طويلة المدى، مثل استبدال العادات غير الصحية بعاداتٍ صحية وأنماط تفكير إيجابية. يمكنكم تحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي ومتابعتنا على مواقع التواصل الاجتماعي.