بعد يوم متعب وطويل، تتجه إلى سريرك لتنعم بنوم هانئ أخيراً. وبينما أنت غارق في النوم، تستيقظ مفزوعاً لأن ثمّة مجهولاً يكبّلك ويمنعك من الحراك. تحاول الفلات منه أو الصراخ ولكنّ أطرافك مشلولة وصوتك اختفى.
تمرّ اللحظات وكأنّها ساعات، ثم تكتشف أنّ كل ما عشته كان حلماً مزعجاً انتقل أثره إلى الواقع. تستيقظ وتفاصيل ما شعرت به ورأيته حاضرٌ بقوّة أمامك. تسألا نفسك: “هل كان شبحاً أم جنيّاً؟ هل هو مجرّد كابوس أم أنني أهذي؟”.
ما مررت به يمرّ به كثيرون مثلك ويسميه العلماء “شلل النوم” أو “الجاثوم”.
ما حدث معك هو حالة يختلط فيها النوم باليقظة، أي أنك تكون نائماً وواعياً لنوبة الهلوسة أو الشعور بالاختناق. لأن شلل النوم يحدث عادة في مراحل النوم الأولية أو في مرحلة الاستيقاظ من النوم تحديدا.
وفي هذه المرحلة تكون في مرحلة “حركة العين السريعة” (REM Rapid Eye Movement)، والتي تصاحبها أحلام مفعمة بالحيوية بالإضافة إلى التوتر. وقد يصاحب اضطراب نوم حركة العين السريعة حركات مفاجئة وعنيفة للذراعين والساقين.
عجز عضليّ
وفي شلل النوم تفقد سيطرتك على عضلاتك الإرادية لفترة وجيزة، ما يتسبب بشعور بالضعف وهو ما يسمى بـالـAtonia.
يصنف العلماء شلل النوم على أنه من أنواع الباراسومنيا، أي السلوكيات غير المألوفة خلال مرحلة حركة العين السريعة. لو أصبت بنوبة جاثوم، يرسل دماغك إشارات لإرخاء عضلات الذراعين والساقين، ما يتسبب بشعورك بالعجز الكامل للحظات.
جسمك يحميك
ورغم إدراكك لما يحيط بك إلّا أنك لن تتمكن من الحركة أو الكلام. الجيد أنّك لن تفقد قدرتك على التنفس وتحريك عينيك. لكن في الواقع، ما يفعله دماغك يصبّ في مصلحتك، لأنه يمنعك من إيذاء نفسك كردّ فعل على ما تراه في منامك.
كثير من الناس يسمعون أو يرون أشياء غير موجودة، حتى بعدما تستعيد وعيك ستظل غير قادر على الحركة لثوانٍ، مما يجعل الأمر مرعبا وغير مُفسر.
وهناك نوعان من شلل النّوم:
- “شلل النوم المنعزل” (Isolated sleep paralysis): ويحدث عندما لا تكون النوبات مرتبطة بالتشخيص الأساسي لـ”الخدار” (narcolepsy)، وهو اضطراب عصبي يمنع الدماغ من التحكم بشكل صحيح في اليقظة وغالبا ما يؤدي إلى شلل النوم.
- “شلل النوم المتكرر” (Recurrent sleep paralysis): ويتضمن نوبات متعددة بمرور الوقت.
هل شلل النّوم حالة شائعة؟
تشير بعض الدراسات إلى أنه قد يمرّ واحد من كل ثلاثة أشخاص تقريباً، بنوبة الجاثوم لمرة واحدة على الأقل في حياته. وأن من 20% إلى 30% من الناس عانوا أو سيعانون من شكل خفيف من الجاثوم، مرة أو مرتين في حياتهم.
ولكن من الممكن أن يصاب ما بين 2% إلى 4٪ من الناس باضطراب شلل النوم المزمن. ولا يرتبط شلل النوم بمرحلة عمرية معينة.
هل شلل النوم وراثي؟
يرجّح خبراء النوم أن شلل النوم من الممكن أن يكون وراثيا إلى حد ما. إلا أن عوامل كالإجهاد والنوم المضطرب قد تتسبب به كذلك. كما ربطت دراسات عدّة بين القلق الاجتماعي أو اضطراب الهلع وشلل النوم. وهو غير مرتبط بسنّ معيّن.
وإن واجهت شلل النوم المتكرر، فهو مؤشر على الإصابة بالخدار (Narcolepsy)، وهو اضطراب مزمن في النوم والاستيقاظ. ومن أعراضه النعاس الشديد خلال النهار ونوبات النوم المفاجئة، والاستيقاظ الليلي المتكرر. ويتسبب ذلك بصعوبة في الاستيقاظ لفترات طويلة من الوقت.
الجاثوم في التاريخ
في السابق اعتقد الناس أن الجاثوم جنّ يتلبس الإنسان. وظهر هذا المعتقد في العديد من الحضارات. فالجاثوم كان موضوع لوحة شهيرة رسمها الفنان الأنجلوسويسري هنري فوسيلي عام 1781.
في اللوحة تظهر امرأة غارقة في النوم ويدها متدلية، وفوق صدرها يجثم كائن أسطوري مخيف وهو الجاثوم. وفي الأساطير الشعبية يعتبر الجاثوم مسبب الكوابيس.
وفي دراسة تبين أن 50% من المصريين الذين تعرضوا للجاثوم كانوا على قناعة بأن شلل النوم يفضي إلى الموت. وذلك لأن المعتقدات الشعبية عن شلل النوم تربطه بقوى خارقة للطبيعة.
وكذلك هناك معتقد شعبي في إيطاليا بأن شلل النوم سببه مخلوق يُسمي “باندافيكي”.
هل يمكن علاج الجاثوم؟
بحسب موقع ويب ميد، ليس هناك الكثير لتفعله لمنع حدوث شلل النوم. ولكن لو اتبعت هذه الخطوات ستقلّل المخاطر الناتجة عنه:
تجنب القيلولة غير المنتظمة
تزيد احتمالية الإصابة بشلل النوم في القيلولة غير المنتظمة. احرص على أخذ قيلولتك في وقت محدّد يوميّاً.
لا تحرم جسمك من النوم الكافي والمنتظم
ستزيد احتمالية دخولك إلى حركة العين السريعة بسرعة كبيرة لو لم تأخذ حاجتك من النوم أو في ساعات غير منتظمة.
لا تنم على ظهرك
هناك علاقة بين النوم في وضع الاستلقاء والتعرض لشلل النوم.
هيّء بيئة نوم مريحة
إطفاء الأنوار، درجة الحرارة المعتدلة، الهدوء، إبعاد مصادر الضوء الأزرق الصادر عن شاشات الأجهزة الإلكترونية، جميعها ظروف تحتاجها لتنعم بنوم جيّد. هيّء أجواء الراحة والاسترخاء ولا مشكلة في الاستحمام أو الاستماع للموسيقى الهادئة.
وللمزيد من المحتوى اليومي المبني على دراسات علمية لنوم أفضل وتوتر أقل، قوموا بتحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي وتابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي.