ربما نكون قد تعرضنا في طفولتنا لبعض المضايقات وعانينا منها دون أن ندري أنها تنمر، وبعد أن كبرنا وجدنا أن التنمر ما زال مستمرًّا، ونجده في كل مكان تقريبًا: وسائل التواصل الاجتماعي ومكان العمل والحي السكني وصالة الألعاب الرياضية وغير ذلك. كما اتضح أن البالغين يتعرضون للتنمر بمعدلاتٍ تنافس ما يعاني منه الأطفال. ففي استطلاعٍ عبر الإنترنت لأكثر من 2000 بالغ في جميع أنحاء الولايات المتحدة، قال 31% من المشاركين إنهم تعرضوا للتنمر وهم بالغون. إذن -في حال تعرضنا للتنمر- ماذا يمكننا أن نفعل لنتغلَّب عليه ونقلل من آثاره النفسية؟
معرفة أشكال التنمر ودوافعه
تُعرِّف الجمعية الأمريكية لعلم النفس التنمر بأنه «سلوك عدواني يسلكه شخص ما، عن قصدٍ وبشكلٍ متكرر، بغرض إيذاء شخص آخر أو تخويفه». ويمكن أن يتخذ التنمر أشكالًا متعددة؛ مثل: الاعتداء الجسدي أو اللفظي، والتنمر الاجتماعي كالكذب ونشر الشائعات، والانخراط في ممارسات خبيثة مثل التجاهل والاستبعاد، أو أي إيماءات أو أفعال أخرى تحدث بطريقةٍ أقل وضوحًا.
يمكن أيضًا أن يحدث وجهًا لوجه، أو عبر الإنترنت فيما يعرف بـ«التنمر الإلكتروني». ورغم تعرض ثلث الشباب في ثلاثين دولة له طبقًا لاستبيان أجرته منظمة اليونيسيف، نجد أنه عندما سلط استطلاع إبسوس -لعام ٢٠١٨- الضوء على وعي الناس به، وُجِد أن 25% منهم لم يسمعوا قَط عنه. كما كانت المملكة العربية السعودية الدولة الأقل وعيًا به؛ إذ قال 63% من المشاركين إنهم لم يروا أو يقرؤوا أو يسمعوا أي شيءٍ عن التنمر الإلكتروني.
قد يمارس الناس التنمر -خاصةً الاجتماعي- لأنهم يجدونه وسيلة فعالة للحصول على ما يريدون؛ سواء أكان وظيفة أم مكانة ما، ولأنهم يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية للقيام بذلك دون الإضرار بالآخرين. كما يستهدف المتنمرون الأشخاص الذين يمثلون تهديدًا لمكانتهم في العمل أو ينافسونهم في رياضة ما، وغالبًا ما يستهدفون شخصًا ذكيًّا وكفؤًا ومحبوبًا، وفرصُه في الترقي وتكوين العلاقات أفضل منهم.
كما يجد بعض المتنمرين أن التنمر طريقة لفرض هيمنة وسيطرة اجتماعية على شخصٍ آخر. يحدث ذلك عندما يكون المتنمرون في موقع قوةٍ بالنسبة لضحاياهم؛ مثل رؤساء العمل، والمدربين، وأصحاب المناصب العليا. غالبًا ما يعمل فارق القوة على تأجيج سلوك التنمر؛ لأنهم قد يشعرون أن مرؤوسيهم هم الطرف الأضعف ولن يظهروا رد فعل.
ويمكن أن يتخفى التنمر في عددٍ من المظاهر والدوافع الأخرى، لكن هل ندرك مدى الضرر النفسي الذي يسببه لنا
كيف يؤثر التنمر فينا نفسيًّا؟
يمكن أن يُشعرنا التنمر بالرفض والاستبعاد من الآخرين؛ ما يُدخلنا في حالةٍ من العزلة والإحساس بتدني احترام الذات؛ فحتى التعليقات السلبية العابرة قد تترسب في أذهاننا، ومع الوقت نعتقد أنها صحيحة. وقد يتطور الأمر إلى كره الذات والرغبة في الانتحار. حتى مشاهدة غيرنا يتعرض للتنمر يمكن أن تؤثر في نفسيتنا نتيجة الشعور بالذنب الشديد لعدم قدرتنا على التدخل. يُثقِل هذا الشعور أذهاننا لفترةٍ طويلة، وغالبًا ما نعاني وقتها من نفس تأثيرات التنمر التي يتعرض لها الضحية.
كما تعمل الضغوط النفسية والجسدية -الناتجة عن كوننا هدفًا للتنمر- على تنشيط هرمون التوتر (الكورتيزول)، الذي يسهم في تغيير مزاجنا ومشاعرنا. ومن ثم قد يصيبنا ارتفاعه بشكلٍ مزمن بالاكتئاب واضطرابات القلق والخوف، بالإضافة إلى مشكلاتٍ صحيةٍ أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم والسمنة وصعوبات النوم.
بخلاف ذلك، قد يؤدي الإجهاد المزمن المصاحب للتنمر المستمر إلى تغييرات هيكلية ووظيفية في الدماغ، تؤثر في مسار حياتنا. إذ كشفت إحدى الدراسات أن التنمر المستمر يؤدي إلى تقليل حجم أجزاء من الدماغ تسمى المُذنَّبات والبوتامين. تؤدي المادة المُذنَّبة دورًا مهمًّا في معالجة الذكريات؛ حيث يَستخدم هذا الجزء من الدماغ معلومات من تجاربنا السابقة لنتمكن من اتخاذ قراراتنا المستقبلية. بينما ينظم البوتامين حركة أجسادنا ويؤثر في التعلم. ومن ثم ينعكس ذلك بالسلب على حياتنا الشخصية والعملية فيما بعد. ولنتجنب كل تلك الآثار السلبية علينا أن نعرف كيف نتعامل مع التنمر.
كيف نتصرف إذا تعرضنا للتنمر؟
التعرض للتنمر ترافقه مشاعر سلبية كثيرة، لكن يجب أن نعرف أن هذا ليس خطأنا، وألا نأخذ ما يقوله المتنمر على محمل الجد. لدى المتنمرين حاجة غريبة لإلحاق الضرر النفسي بالآخرين من أجل توفير الراحة لأنفسهم. إذا أدركنا ذلك فسنتمكن من التعامل مع الأمر بشكلٍ صحيح.
كذلك علينا معرفة أن المتنمرين لا يستحقون الاشتباك معهم؛ فوقتنا وسعادتنا أمران مهمان؛ سواء كنا نتعامل مع مديرٍ أم زميلٍ أم جارٍ متنمر، يجب أن نحافظ على مسافة صحية ونتجنب الرد إلا إذا اضطررنا لذلك. ماذا علينا أن نفعل بالإضافة إلى ذلك؟
- الثقة بالنفس: يفقد المتنمرون قوتهم إذا لم يظهر علينا الرعب. في أعماقهم، يشُكُّون في أنهم يستحقون احترامنا. لذلك عندما يبدأون يمكن أن نغلبهم بسلوكنا الواثق والنظر في أعينهم مباشرةً.
- الهدوء وعدم التفاعل: كلما قل رد فعلنا على الاستفزازات زادت قدرتنا على التصرف. فإذا كانت الإساءة لفظية فلا نرد الإهانة بإهانة. الانخراط في جدالٍ معهم يمنحهم سلطة علينا، وقد يتطور الأمر إلى مزيدٍ من المشكلات.
- الوضوح والإيجاز: إذا كنا مضطرين للرد على المتنمر أو العمل معه، فعلينا أن نصف السلوك الذي يزعجنا بشكلٍ واضح وبنبرة صارمة، ونخبره بعدم قبولنا لذلك السلوك في المستقبل. فإذا تعمد زميل العمل السخرية منا، نخبره أن ما قاله غير لائق وغير مفيد لسير العمل، ولن نقبله إذا تكرر.
- التحدث إلى من يمتلك السلطة: لا نهرع إلى المدير للشكوى من المتنمر في مكان العمل؛ لكي لا نبدو قليلي الحيلة أمامه، ولنأخذ فرصتنا في التعامل مع الأمر بأنفسنا. لكن يجب ألا نضيع فرصة شرح ما يحدث عندما يحين الوقت المناسب. وإذا كان التنمر يحدث من أحد الأقارب، فلنحاول التحدث إلى فرد آخر من العائلة أو صديقٍ موثوق به.
- توثيق المضايقات: نحتفظ بأي تسجيلات صوتية أو رسائل أو صور توثق حوادث التنمر -خاصةً الإلكتروني؛ فقد نحتاج إلى تقديم شكوى أو إبلاغ الشرطة.
- البيئة الداعمة: يعمل المتنمرون على جعل ضحاياهم يشعرون بالوحدة والضعف. وبمحافظتنا على التواصل مع الأصدقاء المخلصين والداعمين نستعيد قوتنا.
هونوها وتهون
نحن نستحق أن نشعر بالأمان، وأن نعيش في جوٍّ خالٍ من العنف؛ فأسوأ شيءٍ هو الشعور بأننا محاصرون في موقفٍ صعب؛ لذا يجب أن نسعى للخروج من هذا الحصار. إذا جعلنا أنفسنا أهدافًا سهلة أو تسامحنا مع المتنمر فسنشجعه على الاستمرار. ولكي ننتصر على المتنمرين ونتجاوز المشاعر السلبية، ينبغي علينا التسلح بالوعي والمعرفة بطبيعة التنمر وأشكاله ودوافعه، وتطبيق طرق مواجهته؛ حتى نحافظ على عافيتنا النفسية.
شاركوا هذا المقال مع أحبائكم كي تحموهم من التعرض للتنمر وآثاره النفسية. وللحفاظ على صحتكم النفسية، يحتوي تطبيق «تهون» على محتوى صوتي أصلي ومتجدد باللهجة الخليجية للتعامل مع التحديات اليومية؛ مثل: التوتر، وصعوبات النوم، وقلة الإنتاجية. بالإضافة إلى الوصول إلى أهدافٍ طويلة المدى؛ مثل أن نستبدل بالعادات غير الصحية عاداتٍ صحية وأنماط تفكير إيجابية. يمكنكم تحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي ومتابعتنا على مواقع التواصل الاجتماعي.