كان يومًا حارًا ورطبًا والشمس تضرب بلا رحمة. وصلت «راجية» إلى عملها متأخرة، رغم أنها لم تنعم بنومٍ مستقر؛ فقد كانت تعمل دون توقف لأسابيع. جلست على مكتبها تحاول التركيز فيما ستفعله لكنها فشلت في ذلك. كان عقلها يسابق نفسه، ويفكر في كل شيء عليها القيام به قبل المواعيد النهائية التي اقتربت. أحست بثقل رأسها وبتسارع نبضات قلبها. شرد ذهنها وفكرت في الأماكن التي أرادت زيارتها، والأشياء التي أرادت القيام بها. فكرت في عائلتها وأصدقائها، وكيف أنها لم ترهم منذ أسابيع. فكرت كم تحتاج لإيقاف الوقت وتحصل على قليلٍ من تمارين الاسترخاء.
في عالمنا سريع الخطى، غالبًا ما ننشغل في صخب الحياة اليومية وتفاصيلها لدرجة أننا ننسى أن نستمتع باللحظة. إن ضغوط الحياة والعمل موجودة دائمًا، لكن في بعض الأحيان نحتاج إلى التراجع خطوة إلى الوراء والاسترخاء فقط.
ما هو الاسترخاء؟ وما أهمية أن يكون ضمن روتينك اليومي؟
الاسترخاء هو حالة من الراحة العقلية والجسدية، تتميز بانخفاض مستويات التوتر أو القلق. يمكن تحفيزها من خلال أنشطة مختلفة. يخلق ذلك حالة توازن تعزز الشفاء والتعافي داخل الجسم، وكذلك الشعور بالراحة.
الإجهاد جزء من الحياة، لكن يجب ألا يتحكم في حياتك. ويمكن أن تبقي التوتر تحت سيطرتك عبر جعل تمارين الاسترخاء جزءًا من روتينك اليومي . كما يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في شعورك. يعتقد كثيرون أنه ليس لديهم وقتًا لذلك، لكن الحقيقة هي أن الاسترخاء لا يقل أهمية عن ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي. إذ يمكنه تحسين جودة نومك وزيادة مستويات الطاقة لديك، وتحسين مزاجك وشعورك العام بالرفاهية.
فوائد صحية لتقنيات الاسترخاء
يمكن أن يكون لتخصيص دقائق يومية للتأمل والاسترخاء العديد من الفوائد. وفقًا لموقع «مايو كلينك»، تؤدي ممارسة تمارين الاسترخاء إلى: تباطؤ معدل ضربات القلب، وخفض ضغط الدم، وتباطؤ معدل التنفس. كذلك تحسين الهضم، والسيطرة على مستويات السكر في الدم، وتقليل نشاط هرمونات التوتر. أيضًا تحسين التركيز والمزاج، وتحسين جودة النوم، وتقليل التعب والغضب والإحباط، وتعزيز الثقة للتعامل مع المشكلات.
رغم أن الاسترخاء والإدراك المعرفي مهمتين متعارضتين تمامًا، لكن أثبتت الأبحاث أن التأمل يحث على الاسترخاء الجسدي ويعزز الإدراك في نفس الوقت. كما تساعد تقنية التخيل الموجه على صرف انتباه الشخص عن الألم، مثل: الألم الناتج عن التهاب المفاصل وأمراض الروماتيزمية الأخرى.
يستخدم استرخاء العضلات التدريجي الذي طوره الدكتور «إدموند جاكوبسون»، لعلاج أعراض القلق. ومؤخرًا، وجد أنه فعال في علاج الصداع النصفي وآلام الرقبة والأرق والاضطراب ثنائي القطب والقلق وآلام الظهر وارتفاع ضغط الدم. وتصنفه الأكاديمية الأمريكية لطب النوم كعلاج غير دوائي فعال للأرق المزمن.
هل تقلل ممارسة الاسترخاء من التوتر والقلق؟
عندما نشعر بالتوتر، يستجيب الجسم بإفراز هرمونات تزيد من ضغط الدم وترفع معدل ضربات القلب. يسمى هذا «استجابة الضغط». تساعد تمارين الاسترخاء على راحة جسمك وخفض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب. وهذا ما يسمى «استجابة الاسترخاء».
تظهر الأبحاث أن ممارسة التأمل بانتظام، تخفف من الضغط النفسي والمشاكل الصحية المرتبطة بالتوتر، مثل: القلق والاكتئاب. كذلك تركز تقنيات التنفس الحجابي على التنفس العميق وإبطاء معدل التنفس. مما يساعد في تدفق الدم وخفض معدل النبض وضغط الدم، وبالتالي تقليل التوتر.
طرق الاسترخاء من إجهاد العمل
بغض النظر عن مجال عملك أو المكان الذي تعمل فيه، فإن ضغوط العمل أمر لا مفر منه. إذا كنت تمر بأسبوع عملٍ حافل، وعقلك لا يهدأ من الأفكار المتعلقة بالعمل، فهناك بعض الطرق التي تخفف من ذلك الضغط والإجهاد:
- استمع إلى الموسيقى: الاستماع إلى الموسيقى يمكن أن يخفض ضغط الدم والقلق والتوتر. يمكنك الاستماع إلى إيقاعات للاسترخاء أثناء تنقلاتك، لتكون حاجزًا بين العمل والمنزل، مما يسمح لعقلك بفك الضغط.
- تنفس بعمق: أخذ نفس عميق يقلل من مستويات الكورتيزول. خذ أنفاسًا طويلة وثابتة أثناء تنقلك إلى المنزل. يبدأ هذا في عملية الاسترخاء ويسبب انخفاضًا مؤقتًا وفوريًا في ضغط الدم، مما يؤدي أيضًا إلى خفض مستويات القلق.
- اشرب الماء: قد يصاب جسمك بالجفاف بسبب الإجهاد. إذا كنت متوترًا، فإن معدل ضربات قلبك يتسارع أيضًا وتتنفس بصعوبة. نتيجة لذلك، يفقد جسمك الماء. يقلل شرب المزيد من الماء، مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر). لذلك، في المرة القادمة التي تشعر فيها بالتوتر، اشرب كوبًا أو كوبين من الماء بدلًا من القهوة أو الشاي.
- انس هاتفك واكتب قائمة مهام: إذا امتد يوم عملك إلى منزلك، سيزيد إجهادك وتوترك. لذلك، اغلق هاتفك أو عطّل إشعاراته. وإذا لم تستطع إيقاف التفكير في تفاصيل العمل، أخرج أفكارك على الورق. اكتب قائمة مهام لمدة خمس دقائق. بهذه الطريقة يمكنك قضاء بعض الوقت في الاسترخاء، بدلًا من إطالة يوم العمل إلى حياتك المنزلية.
ودع الأرق وصعوبات النوم مع تمارين الاسترخاء
إذا كنت بالفعل متعبًا أو محرومًا من النوم، فقد يرى جسمك أن ممارسة التأمل والاسترخاء دعوة للحصول على قسطٍ من النوم. وقد ثبت أن الاسترخاء التدريجي يقلل من اضطرابات النوم.
يمكن الاعتماد على تمارين تنظيم التنفس كعلاج مساعد للأرق. عند الاستنشاق بعمق وحبس أنفاسك، فإنك تزيد من مستوى الأكسجين في الجسم، مما يسمح له بالعمل بجهدٍ أقل. يتميز الزفير الطويل والبطيء بجودةٍ تأملية تبعث على الاسترخاء بطبيعتها. إنه مشابه جدًا لوتيرة التنفس التي يتبناها جسمك وأنت تغفو. عن طريق التنفس العميق قبل النوم، بطريقة تحاكي أنماط التنفس في بداية النوم، توجه جسدك وعقلك نحو النوم الهادئ.
ثلاث تقنيات للاسترخاء عليك أن تجربها
التخيل الموَّجَه: يمكنك تكوين صور ذهنية للقيام برحلة بصرية إلى مكان هادئ ومريح. تخيل مكانًا مثاليًا للاسترخاء. تخيل ذلك بأكبر قدرٍ ممكن من التفاصيل. استخدم حواسك لجعله حقيقيًا قدر الإمكان؛ إذا كنت تتخيل الاسترخاء في المحيط، فكر مثلًا في رائحة الماء المالح، وصوت الأمواج المتلاطمة، ودفء الشمس على جسمك. وشاهد نفسك تستمتع بشكلٍ مريح بهذا المكان.
الآن اغلق عينيك وخذ نفسًا بطيئًا ومنتظمًا من خلال أنفك. راقب تنفسك. ركز على مكان الاسترخاء الخاص بك بكل تفاصيله، وأخرج زفيرًا من فمك.
قم بهذا التمرين لمدة 10 إلى 20 دقيقة. واستمع إلى تمرين الاسترخاء ” التعامل مع هموم العمل” على تطبيق تهون.
استرخاء العضلات التدريجي: ركز على شد وإرخاء كل عضلة في جسمك. من الممكن أن تبدأ بشد عضلات أصابع قدميك وإرخاءها، والعمل تدريجيًا حتى تصل إلى رقبتك ورأسك، أو العكس. من الأفضل القيام بذلك في منطقة هادئة دون انقطاع. شد عضلاتك لمدة خمس ثوانٍ ثم استرخِ لمدة 30 ثانية، وكرر ذلك.
إذا كنت تعاني من أي إصابات جسدية أو ألم في العضلات، فلا تقم بشد العضلات في تلك المنطقة.
تأمل اليقظة الذهنية: بدلًا من القلق من المستقبل أو التفكير في الماضي، فإن الذهن يحول تركيزك إلى ما يحدث الآن، لتعيش في اللحظة الحالية.
- ابحث عن مكانٍ هادئ حيث لن يتم مقاطعتك أو تشتت انتباهك.
- اجلس على كرسي مريح وظهرك مستقيم.
- أغمض عينيك وابحث عن نقطة تركيز، مثل تنفسك -الإحساس بتدفق الهواء إلى أنفك وخروجه من فمك وارتفاع وانخفاض بطنك- أو كلمة ذات معنى تكررها طوال التأمل.
- لا تقلق بشأن تشتيت الأفكار في ذهنك أو حول مدى جودة أدائك. إذا كانت الأفكار تتطفل على جلسة الاسترخاء، فلا تقاومها، فقط أعد انتباهك بلطفٍ إلى نقطة تركيزك، دون إصدار حكم.
بعد تمارين الاسترخاء، لا تتسرع في النهوض. اجلس وعيناك مغمضتان لبضع دقائق؛ لتجنب احتمالية الشعور بالدوار. افتح عينيك وتأكد من أنك على ما يرام قبل الوقوف.
تذكر أن تقنيات الاسترخاء هي مهارات. ومثل أي مهارة، تتحسن قدرتك على الاسترخاء مع الممارسة. كن صبورًا مع نفسك. ولا تدع جهودك في ممارسة تقنيات الاسترخاء تصبح ضغوطًا أخرى.
ولمزيدٍ من المحتوى اليومي المبني على دراساتٍ علمية للعناية بالصحة النفسية ولنومٍ أفضل وتوتر أقل، يمكنك تحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي ومتابعتنا على مواقع التواصل الاجتماعي.