من المفيد أن نفكر بخطواتنا التالية في الحياة؛ كالزواج والعمل وشراء منزل ونحو ذلك. فالتفكير في حد ذاته بوصفه نشاطًا عقليًّا يساعدنا على فهم وتمييز وتفسير المواقف والمشكلات المختلفة وإيجاد حلول لها. ومع ذلك، عندما نجد أنفسنا لساعات طويلة نفكر -مثلًا- بما قاله لنا أحد زملائنا في اجتماعٍ ما، وكيف أننا لم نرد كما يجب، أو أن ما قلناه أثار سخرية الآخرين؛ فإن مثل هذه الحالة يُدخلنا في حلقاتٍ مفرغة من المشاعر السلبية والألم؛ لذا، نحتاج إلى أن نعرف ما الذي يوقعنا في تلك الحالة من «التفكير الزائد» وكيف تؤثر سلبًا فينا، لنتمكن من تحويلها لصالحنا.
ما هو التفكير الزائد؟ ولماذا يحدث لنا؟
التفكير الزائد أو ما يُعرَف بالـ«overthinking» هو أن نفكر بأمرٍ ما أكثر من اللازم أو لفترةٍ طويلة جدًّا، وأن نفرط في تفسير وتحليل نفس الفكرة بشكلٍ متكرر لدرجة تعطل حياتنا اليومية.
قد يستغرقنا التفكير بالأحداث التي وقعت بالفعل في الماضي؛ كإعادة سرد موقفٍ معين في ذهننا والتفكير بما قلناه وما لم نقله وما يعتقده الآخرون عنا. كذلك يمكن أن نفرط في التفكير بتفاصيل الحاضر؛ مثل ظروفنا أو علاقاتنا أو شخصيتنا. كما ينطبق التفكير الزائد على قلقنا بشأن المستقبل؛ إذ نضع تنبؤات تشاؤمية حول أحداثٍ لم تقع بعد، وهذا يجعلنا غير قادرين على الاستمتاع بالحاضر.
يمكن أن نقع في فخ التفكير الزائد لعدة أسباب؛ أهمها القلق الناتج عن ضغوط الحياة اليومية ومتطلباتها. تقول المعالِجة النفسية الأمريكية دانييل سيسلو: «القلق عادةً ما يكون استجابةً للخوف من المجهول أو مما قد يحدث في المستقبل. كان الغرض البدائي منه إبقاءنا متيقظين للمخاطر التي تُعَدُّ تهديدًا لبقائنا. وفي الوقت الحالي يُعدُّ المرض والضائقة المالية وعدم اليقين ونحو ذلك تهديدًا لبقائنا».
في الأصل يعتبر الإفراط في التفكير آلية حماية ذاتية تلقائية. فنحن عادةً نميل للتفكير المفرط بأشياءٍ مهمة مثل الأمور المالية والصحة والعمل والعلاقات ومعنى حياتنا، لرغبتنا الكامنة في تحقيق حمايتنا وسيطرتنا عليها بإدارتها بشكلٍ صحيح.
كذلك يجعلنا سعينا إلى الكمال أكثر تحليلًا وانتقادًا لأنفسنا، ونضع معايير عالية جدًّا لأنفسنا، ومن ثم لا نرضى تمامًا عن جهودنا في العمل أو فيما نبذله في علاقاتنا مع الآخرين. وهذا قد يؤدي إلى الكثير من الإحباط وانتقاد الذات، فندخل في دائرة القلق المفرط واجترار أحداث الماضي.
كما يمكن أن تكون الصدمة سببًا محتملًا آخر للتفكير الزائد، إذ يخبرنا علم الأعصاب أن التعرض لحدثٍ صادم يمكن أن يجعل دماغنا عالقًا في حالة دائمة من اليقظة المفرطة، أو في حالة تأهب قصوى تحثه على البحث المستمر عن أي خطر محتمل؛ سواء كان حقيقيًّا أم متخيَّلًا. في هذه الحالة قد نواجه أفكارًا هوسية أو تطفلية.
كيف يضرنا التفكير الزائد؟
على الرغم من أن التفكير الزائد ليس اضطرابًا أو مرضًا نفسيًّا، قد يكون أحد أسباب اضطراباتٍ نفسية مختلفة؛ فقد أثبتت الدراسات أنه يمكن أن يزيد من فرص الإصابة بالاكتئاب والمشكلات النفسية الأخرى؛ مثل القلق والتوتر واضطراب ما بعد الصدمة. حيث يستمر عقلنا بلا كللٍ في توليد دوامة من الأفكار، وإصدار الأحكام السلبية على أنفسنا. ومن ثم ندور في حلقةٍ مفرغةٍ من المشاعر السلبية التي تؤدي إلى تسرب الاكتئاب أو اضطراب القلق إلينا.
كما يمكن للتفكير الزائد بتصرفاتنا وتصرفات الآخرين في المواقف المختلفة أن يؤدي إلى تكوين استنتاجاتٍ قاسية عن أنفسنا وعن الآخرين. يدخلنا ذلك -على المدى الطويل- في عزلةٍ اجتماعية؛ فنبتعد عن الناس لحماية أنفسنا وتجنب المواقف غير المريحة؛ ما قد يحدث مشكلاتٍ في علاقاتنا وفي أماكن العمل نتيجة شعور الآخرين بأننا نهملهم أو نتجنبهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التفكير الزائد والمستمر قبل النوم -سواء بأحداث اليوم أم بأفكارٍ عشوائية- يحرمنا من الحصول على النوم الذي نحتاج إليه لنشعر بالنشاط والحيوية في اليوم التالي، ومن ثم نشعر بنعاس مفرط أثناء النهار وانخفاض في تركيزنا وتغيرات في حالتنا المزاجية. لن يؤدي الحرمان من النوم إلى قلة إنتاجيتنا فحسب، بل يعرضنا -على المدى الطويل- إلى مجموعة كبيرة من المشكلات الصحية مثل أمراض القلب والسِمنة وانخفاض المناعة.
وقد تبدو لنا الأمور التي تأسر عقولنا بالتفكير كبيرة ويصعب حلها، إلا أنه يمكننا الخروج من هذه الشبكة المعقدة التي ينسجها عقلنا، فهل نعرف الطريق لذلك؟
كيف نتوقف عن التفكير الزائد ونواصل حياتنا؟
إذا كان التفكير الزائد يعوق مسار حياتنا، فهذا لا يعني عدم قدرتنا على التعامل معه والعمل على تحويله لصالحنا. لكن علينا أن ندرك أنه ليس أمرًا يمكننا فقط إيقافه أو علاجه بعدة خطوات. إن الأمر يتعلق بطريقة تفكيرنا؛ فعندما نفهمها ونديرها بطريقةٍ صحيحة يمكن أن تكون نقطة قوة. ولتحقيق ذلك يمكننا تجربة الطرق التالية:
الكتابة: إلى جانب تصفية ذهننا، يتيح لنا تدوين اليوميات فحص وتتبع الأمور والأفكار السلبية التي قضينا وقتنا وطاقتنا في التفكير بها، كما يمكن كتابة أفكارنا في قوائم مهام؛ حيث إن وضع قائمة أو خطة يوجهنا أكثر نحو تنفيذ الحلول.
تغيير النمط: عندما نلاحظ أننا نمارس أنماط تفكير سلبية -مثل اجترار أحداث الماضي أو القلق المستمر- نسأل أنفسنا ثلاثة أسئلة:
1. لماذا نفكر بهذا الأمر؟ وهل يستحق استهلاك طاقتنا؟
2. هل ستكون هذه الفكرة أو هذا الحدث مهمًّا لنا خلال شهر أو ستة أشهر؟
3. هل هناك دليل على صحة أفكارنا السلبية؟ على سبيل المثال: هل نمتلك دليلًا على أن ما قدمناه في أحد الاجتماعات كان دون المستوى؟
ستحدد إجاباتنا عن هذه الأسئلة مدى جدوى تفكيرنا، وهل ما نفكر به يستحق تفكيرنا المفرط أم يمكننا الاستغناء عنه أو التفكير بإيجاد حلٍ له.
التفكير بالحلول: إذا كانت المشكلة التي تشغل تفكيرنا يمكن التحكم بها، فلنفكر في كيفية منع وقوعها، أو نتحدى أنفسنا بتحديد خمسة حلول محتملة إن كانت قد حدثت بالفعل. أما إذا كانت شيئًا لا يمكننا التحكم به -مثل التأخر عن موعد مهم بسبب تعطل المرور- فلنفكر بالإستراتيجيات الممكنة للتعامل معه لنخرج منه بإمكانياتنا المتاحة.
ممارسة الاسترخاء: يعمل الاسترخاء على تقليل القلق والتوتر الذي يُسبب التفكير الزائد، وبدلًا من القلق من المستقبل أو التفكير بالماضي، فإن ذهننا يحول تركيزنا إلى ما يحدث الآن.
البحث عن إلهاء: تساعدنا المشتتات على نسيان ما يقلقنا. وغالبًا ما يكون الإلهاء المؤقت هو بالضبط ما نحتاج إليه لإعادة الشحن. تشمل مصادر الإلهاء: مشاهدة فيلم، وصناعة معجنات، وقراءة كتاب. فمثلًا يمكن أن نحدد نصف ساعة للقراءة، وسنجد أننا في غضون دقائق قد انغمسنا في عالمٍ آخر.
التحدث عن الأفكار: من المقولات الشائعة في العلاج السلوكي المعرفي: «الأفكار ليست حقائق». من المهم أن نتذكر هذا لأن أفكارنا عن أنفسنا وماضينا ومستقبلنا يمكن أن تبدو كأنها حقائق. لذلك من المفيد أن نتحدث إلى أشخاصٍ نثق بهم؛ حيث يمكن أن يساعد الاستماع إلى رأي آخر في إعادة صياغة طريقة تفكيرنا.
هونوها وتهون
يمكن أن نمارس عدة طرق وتقنيات أخرى لكسر الحلقات المفرغة للتفكير الزائد، لكن المهم أن نستمر في ذلك ليدخل في نسيج يومنا ويصبح من عاداتنا. إن دمج أي روتين في حياتنا عندما نكون متوترين ليس بالمهمة السهلة، ولكن علينا القيام بذلك؛ إذ إنه مع الوعي وبعض التغييرات في نمط حياتنا يمكننا تحرير أنفسنا من اجترار الأفكار، والمضي قدمًا في حياتنا.
وللحفاظ على صحتكم النفسية، يحتوي تطبيق «تهون» على محتوى صوتي أصلي ومتجدد باللهجة الخليجية للتعامل مع التحديات اليومية؛ مثل: التوتر، وصعوبات النوم، وقلة الإنتاجية. بالإضافة إلى الوصول إلى أهدافٍ طويلة المدى؛ مثل أن نستبدل بالعادات غير الصحية عاداتٍ صحية وأنماط تفكير إيجابية. يمكنكم تحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي ومتابعتنا على مواقع التواصل الاجتماعي.