رغم واقعية الكثير من المقولات الإيجابية التي نستمع إليها يوميًا، كثيرًا ما ينتابنا الشك في مدى قابليتها للتحقق. ولمواجهة تلك الشكوك أردنا أن نثبت بعض الحقائق العلمية التي تقف خلف كثير من مقولات السعادة!
في هذا المقال، نلقي نظرة على الحقائق العلمية الكامنة وراء 5 مقولات في السعادة مع شرح طرق بسيطة لتطبيقها والاستفادة منها. بعبارة أخرى، عندما تغير الطريقة التي تنظر بها إلى الأشياء، فإن تلك الأشياء تتغير. وفي هذه الحالة، عندما تدرك الحقيقة العلمية وراء عبارة ما، ستصدقها وتؤمن بها وتجعلها جزء أصيل من أسلوب تفكيرك.
“لا تقلق ، كن سعيدًا.”
بمعنى آخر: من الجيد أن تشعر بتقلبات الحياة.
حركات السعادة وعلم النفس الإيجابي، رغم ثوريتها، كان لها أثر جانبي سلبي كبير، وهو: تَوقُع أن نكون سعداء طوال الوقت.
خلال السنوات القليلة الماضية، ازداد عدد الشباب الذين يلجؤون للعلاج النفسي وهم يخطئون تقدير تقلبات الحياة اليومية. احتاج العديد منهم خلال رحلة العلاج إلى التأكد بأنه من الطبيعي الشعور بالحزن بعد الانفصال، أو الشعور بالقلق أثناء خوض الامتحانات، أو الشعور بعدم اليقين خلال فترة انتقالية كبيرة. يظن أولئك الشباب أن أي مشاعر غير السعادة والتحفيز والثقة بالنفس ليس بالشيء الكافي.
لذلك، بدلاً من “لا تقلق، كن سعيدًا”، يمكننا تحديث المقولة لتشمل التباين العاطفي الطبيعي. في الواقع، من الجيد أن تشعر بعدم الكفاءة، خاصة عندما تدفع نفسك لتعلم مهارة جديدة. من الطبيعي تمامًا أن تشعر بالقلق عندما لا يكون لديك الكثير من الخبرة في أداء وظيفة جديدة. من المهم أن تشعر بالملل أحيانًا – تولد أفضل الأفكار عندما لا تكون أذهاننا مشغولة بشيء جانبي مثل Netflix أو YouTube أو حتى البودكاست، لذلك، في المرة القادمة عندما تشعر بالملل، من المفيد ألا تحاول ملء الفراغ بأي من الملهيات، والجلوس قليلا في التفكير بشيء ابداعي لملء فراغك.
دعنا نأخذ الأمر إلى أبعد من ذلك: إذا كنا على استعداد لتحمل الشعور السلبي فنحن نعد أنفسنا لسعادة حقيقية.
ماذا نقصد بذلك؟
وجدت دراسة أجريت عام 2018 أن الأنشطة التي تجعلنا أسعد – تلك التي تسمح لنا بالدخول إلى حالة التدفق (flow) حيث يكون الإنسان مغمورًا بفعل جسدي أو عقلي، ويشعر بالوقت والمكان وبنفسه بشكل مختلف، ويكون في حالة من التركيز المطلق وذروة الأداء – وغالبًا ما تكون هذه الانشطة متطلبة لجهد وتعب بدرجة ما، كما تستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة.
من المتعب حشد الطاقة للاندماج والشعور بالتدفق في نشاط مكثف ومركّز مثل صناعة الفن أو التدرب على رياضة أو كتابة قصة. قد يكون العمل على كتابة مشهد كوميدي خاص بك أمرًا شاقًا.
لكن حالة التدفق وممارسة الأنشطة الأخرى تجعلنا في النهاية، وبعد التعب، سعداء حقًا. وكما ذكرنا، هي تتطلب استثمارًا للطاقة والجهد في البداية.
لذا، وبناء على هذا المثال، فكر في المشاعر السلبية كاستثمار للوصول إلى الشعور الإيجابي. هذا ليس معناه أن تتخلص من كامل معتقداتك التفاؤلية وأن تفكر بسلبية مطلقة، ولكن يمكنك رؤية تقلبات الحياة اليومية باعتبارها جزءًا من إيقاع طبيعي وصحي، قد يكون كل ما تحتاجه للوصول إلي السعادة تغيير رؤيتك للمشاعر السلبية التي تمر بها.
“الهدف من الحياة هو العيش بغاية.”
بصيغة أخرى، ابحث عن غايتك لمحاربة التوتر والاعتناء بنفسك.
توصلت العديد من الدراسات، إلى أن وجود غاية وهدف يزيد من جودة وكثافة الشعور بالحياة.
ما هي “الغاية”؟
الغاية مثل قطعة موسيقية مُلهمة أو لوحة فنية غاية في الإبداع، تعرفها عندما تراها. ويمكن تعريفها على أنها الشعور بالوجهة والدافع من خلال أهدافك وقيمك وما يشعرك بالامتلاء والاكتفاء. لماذا العيش بهدف واستلهام الغاية بهذه الأهمية؟
هناك نوعان من النظريات لتفسير هذا الأمر.
النوع الأول هو أن وجود هدف قد يدفعك إلى الاعتناء بنفسك بشكل أفضل. وإن جزءًا من الاعتناء بنفسك هو شعورك بضرورة وأهمية ما تفعله في حياتك والغاية منه.
علاوة على ذلك، يُعتقد أن وجود هدف نسعى لتحقيقه يحمينا من تأثيرات الإجهاد. على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أنه عندما أفاد الطلاب بأن حياتهم لم تكن ذات معنى، اقترنت مهام الحياة اليومية، والتي يقومون بها بشكل روتيني دون استشعارهم بمعنى هذه المهام، بأعراض الاكتئاب. ولكن عندما أفاد الطلاب عن معنى وهدف أعلى يقترن بما يقومون به، ضعفت الصلة بين المهام اليومية والاكتئاب. إذًا وجود الغاية تحمينا من الإجهاد والتوتر.
كما أفادت دراسة شملت ما يقرب من 100000 شخص في 94 دولة بأن الأشخاص الذين يعتقدون أن حياتهم لها معنى أو غاية، بغض النظر عن شعورهم حيال دخلهم، يكونون أكثر سعادة بحياتهم.
“الانضباط هو الجسر بين الأهداف والإنجاز.”
بصيغة أخرى، نظّم حياتك حتى لا تضطر إلى بذل مجهود كبير في الانضباط.
الانضباط، المعروف باسم ضبط النفس، هو موضوع يتم مناقشته في الأبحاث النفسية وتطوير الذات بشكل كبير ومكثَّف.
ضبط النفس، يُعرَّف على أنه مقاومة الإلهاء والمشتتات التي تقابلك في وقت ما، وهو مهارة إنسانية شديدة الأهمية. إذ من الصعب أن تكون سعيدًا إذا انحرفت عن مسار أهدافك وركضت خلف كل شيء لمع في مجال رؤيتك.
ومع ذلك، هناك الكثير من الخلاف حول طبيعة ضبط النفس. يقول البعض إنه مورد محدود يجب الحفاظ عليه، بينما يرى الآخرون أنه مثل العضلات، تقوى كلما زاد استخدامها.
إليك هذه الخطوات لتعلم ممارسة “ضبط النفس بدون مجهود”:
- نظِّم عملك وحياتك لتقليل الإلهاء.
- استخدم أحد التطبيقات لإبقائك في وضع عدم الاتصال أثناء العمل.
- ضع هاتفك في الدرج أثناء أداء واجبك. إذا كنت ترغب في الالتزام بنظامك الغذائي، فلا تتناول عشائك من مطاعم الوجبات السريعة وحاول تحضير وجبة صحية لتأخذها معك أينما ذهبت أو ابحث عن مطعم يُحضر الوجبات الصحية.
“افعل شيئًا واحداً يخيفك كل يوم.”
بصيغة أخرى: واجه ما يخفيك وما تحاول تجنبه، اخرج من منطقة راحتك.
يغذي التجنب إلى حد كبير كل تحديات الصحة النفسية المتعارف عليها مثل التوتر والقلق والغضب. تجنُب الأشياء التي تجعلنا نشعر بالتوتر أو عدم الكفاءة أو الإحراج أو الغباء يبقينا بأمان في منطقة الراحة الخاصة بنا، ولكنه يمنعنا من معرفة أننا أكثر قدرة مما نتخيله، وأن العالم ليس بهذه الخطورة أو غير آمن كما نظن. بشكل عام، يعود الأمر إلى الحقيقة البديهية الأولى التي تحدثنا عنها: من الجيد أن تشعر بتقلبات الحياة.
لذا، بغض النظر عن طريقة صياغتك لهذه العبارة، افعل شيئًا واحدًا كل يوم يخيفك، اخرج من منطقة راحتك، اتبع النصيحة وتجنب عدم المواجهة.
“عش كل يوم كما لو كان الأخير.”
بصيغة أخرى: الوقت أمر نادر، حافظ عليه.
منذ قرون بعيدة، من النصائح الأكثر تداولًا: اغتنم يومك.
كيف نفعل ذلك؟
فكر في الوقت على أنه محدود ونادر. تلك الحالة الوحيدة التي تكون فيها عقلية الوفرة، التي تنص على أن هنالك سعة ووفرة في كل شيء، إلى نتائج عكسية. لزيادة السعادة، فَكِر بمحدودية الوقت.
تابع مجموعة من الباحثين بعض الطلاب الجامعيين بشكل عشوائي، وفي الفصل الدراسي الأخير، خاطبوا نصفهم بعبارة: “ضع في اعتبارك أنه لم يتبق لديك سوى وقت قصير، حوالي 1200 ساعة.” وتم مخاطبة النصف الآخر بعبارة: “ضع في اعتبارك أن لديك قدرًا كبيرًا من الوقت المتبقي، حوالي 1/10 من العام.”
على مدار الأسبوعين التاليين، تقصى الباحثون عن عدد المرات التي يقضي فيها الطلاب وقتًا مع الأصدقاء، أو يخرجون ويجتمعون سويًا، أو يذهبون إلى مطعم أو حانة مفضلة في الحرم الجامعي.
تبين أن من هم في مجموعة الوقت الأقل نظريا (1/10 من العام)، مارسوا الكثير من الأنشطة وأفادوا بأنهم أكثر سعادة من مجموعة الوقت الوفير نظريا (1200 ساعة). وذلك يثبت أن الشعور بندرة الوقت يساعد في ممارسة أنشطة تجلب سعادة أصيلة للفرد.
ولمضاعفة الاستفادة من المقال وزيادة القدرة على عيش اليوم واللحظة، حافظوا على ممارسة تمارين اليقظة الذهنية والتأمل، فهي تساعد كثيرًا في استغلال الوقت وعيشه حتى الرمق الأخير.
وللمزيد من المحتوى اليومي المبني على دراسات علمية للعناية بالصحة النفسية يمكنكم تحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي ومتابعتنا على مواقع التواصل الاجتماعي.