الخمول البدني: كيف تقتلنا الراحة الزائدة؟

يُعد الخمول البدني، رابع عامل خطر رئيسي للوفاة في العالم؛ حيث يتسبب في مقتل أكثر من خمسة ملايين شخصٍ سنويًا، وفقًا لمجلة لانسيت. لا عجب في ذلك، في عالمٍ يمكننا فيه طلب الطعام والتسوق واللعب والعمل من منازلنا وعلى مقاعدنا المريحة. وفي المستقبل القريب، بتقنيات الواقع الافتراضي قد نذهب إلى أي مكانٍ في العالم دون أن نتحرك خطوةً واحدة. لقد انقلبت وسائل الراحة ضدنا، وحولت راحتنا إلى ألمٍ وموت! لذا، قد حان وقت التغلب على الخمول البدني، لكن كيف يمكننا ذلك؟ وما هو الخمول البدني؟ وما الذي قد يفعله بنا؟!

ما هو الخمول البدني؟ ولماذا قد نصاب به؟

الخمول البدني هو عدم تحريك الجسم لفترات طويلة من الزمن. يمكن أن يشمل ذلك الجلوس أو الاستلقاء على الأريكة ومشاهدة التلفزيون، والجلوس على مكتب أو جهاز كمبيوتر. وتُعرِّفه منظمة الصحة العالمية (WHO)، بأنه الفشل في تجميع 150 دقيقة على الأقل من النشاط البدني المعتدل أو 75 دقيقة من النشاط البدني القوي أو الجمع بين كلتا النوعين في الأسبوع.

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، ترجع أسباب الخمول البدني إلى عدم المشاركة بما يكفي في النشاط البدني أثناء أوقات الفراغ. وأيضًا زيادة السلوك المستقر في الأنشطة اليومية، سواء أثناء وقت العمل أو في المنزل. تساهم في ذلك عدة عوامل، مثل: الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، والعوامل البيئية الناتجة عن التحضر والتقدم. كما يعد أيضًا الازدحام المروري، والعنف، وتلوث الهواء، ونقص الحدائق والمرافق الرياضية أو الترفيهية من أسباب قلة ممارسة النشاط البدني.

إذا كنا غير متأكدين من إصابتنا بالخمول البدني، فهذه بعض العلامات التي تنبهنا أننا لا نتحرك بشكلٍ كافٍ، وأن الوقت قد حان لتعزيز نشاطنا البدني:

• زيادة في الوزن مع ثبات كميات الأكل.
• الشعور بالإرهاق طوال الوقت.
• قضاء أكثر من نصف وقت استيقاظنا بدون حركة.
• الشعور بالضيق وعدم الرضا والميل للاكتئاب.
• تعثر الذاكرة، والنوم المضطرب.

ماذا يحدث لأجسامنا في حالة الخمول البدني؟

وفقًا لتقرير للأمم المتحدة لعام 2018، تحتل المملكة العربية السعودية المركز الثاني عالميًا من حيث الخمول البدني ونقص النشاط. يمكن أن يؤدي الخمول البدني إلى تراكم المواد الدهنية في الشرايين. إذا تضررت الشرايين التي تنقل الدم إلى قلبك، فقد يؤدي ذلك إلى نوبة قلبية. إذا حدث هذا في الشرايين التي تنقل الدم إلى دماغك، فقد يؤدي ذلك إلى الإصابة بسكتة دماغية.

يقلل الخمول البدني نشاط ليباز البروتين الدهني، والجلوكوز العضلي، وأنشطة نقل البروتين، وتقليل التمثيل الغذائي للكربوهيدرات. يقلل أيضًا من النتاج القلبي وتدفق الدم مع تنشيط الجهاز العصبي الودي، مما يقلل من حساسية الأنسولين ووظيفة الأوعية الدموية. كما أنه يغير محور عامل النمو الشبيه بالأنسولين ومستويات الدورة الدموية للهرمونات الجنسية، مما يزيد من حدوث السرطانات المرتبطة بالهرمونات.

وفقًا للمكتبة الوطنية للطب، فإن اتباع نمط حياة غير نشط وخامل أحد أسباب العديد من الأمراض المزمنة. عدم ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، يزيد من مخاطر، مثل: البدانة، أمراض القلب، ارتفاع ضغط دم، السكتة الدماغية، متلازمة الأيض، داء السكري. يؤدي الخمول البدني إلى بعض أنواع السرطان، ضعف وفقدان كتلة العضلات، وهشاشة العظام، وزيادة الشعور بالاكتئاب والقلق، وزيادة خطر الوفاة المبكرة.

تقول «سوزان شتاينباوم»، طبيبة القلب الوقائية، ومؤسِسة مركز «إس.آر.إس هارت»، إنه كلما زاد ركود الشخص، زادت مخاطر الوفاة وأمراض القلب. تظهر الأبحاث أن كل ساعة إضافية في اليوم تقضيها في مشاهدة التلفزيون ترتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. بالإضافة إلى أن الجلوس لمدة عشر ساعات على الأقل يوميًا، يؤدي لزيادة مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية.

هل يؤثر الخمول البدني على الأداء الوظيفي والإنتاجية؟

تشير جمعية القلب الأمريكية، إلى أنه زادت الوظائف المستقرة التي تتطلب الجلوس لفترات طويلة، بنسبة 83% منذ عام 1950. مما يعني تعرض نسبة كبيرة من الناس لمخاطر الخمول البدني، التي ستنعكس على أدائهم في العمل.

تظهر نتائج الأبحاث أن نمط الحياة الصحي يرتبط بزيادة إنتاجية العمل. النشاط البدني لديه القدرة على تحسين الأداء في مكان العمل، والحفاظ على الصحة العامة. كما ثبت أنه يزيد من نشاط الدماغ ويعزز الصحة العقلية بشكلٍ أفضل. وقد يؤدي إلى تقليل التغيب والإجازات المرضية. فضلًا عن جعل أماكن العمل أكثر إنتاجية وفعالية من حيث التكلفة.

وفي دراسة عملت على تقدير الخسائر المادية المرتبطة بالخمول البدني في السويد لعام 2016، لاحظوا ارتفاع إجمالي التكاليف النقدية المرتبطة باستخدام الرعاية الصحية وخسائر الإنتاجية، والتي تُعزى إلى نقص النشاط البدني.

الخمول وكثرة النوم لا يجتمعان

يربط كثيرون بين الخمول البدني والنعاس أو الرغبة في النوم، لكن ثبت أن العكس هو الصحيح. وثقت العديد من الدراسات وجود ارتباط قوي بين نوعية النوم السيئة وقلة النشاط البدني. بينت إحدى الدراسات أن هناك علاقة بين قلة النوم وقلة النشاط البدني لدى طلاب جامعة جازان في المملكة العربية السعودية.

كما أظهرت الدراسات أنه في أقل من أربعة أسابيع، يمكن للأفراد الذين يعانون من الأرق المزمن، الذين يبدأون ممارسة التمارين الرياضية بانتظام النوم لمدة تصل إلى 13 دقيقة أسرع والبقاء نائمين لمدة 18 دقيقة أطول. وجد مؤلفو الدراسة أن ممارسة النشاط البدني فعال مثل الأدوية المنومة في تخفيف الأرق. وعلى عكس ذلك، فإن نقص النشاط البدني مرتبط بالأرق ونوعية النوم الرديئة.

نصائح لإصلاح نمط الحياة والتخلص من الخمول البدني

للبقاء بصحة جيدة قدر الإمكان، من المهم أن نعيش أسلوب حياة نشط. إنه ليس أمرًا صعبًا، بل تكمن الفكرة في إيجاد الأنشطة التي نستمتع بها ويمكننا المشاركة فيها بشكلٍ منتظم. وكذلك إيقاف أو تقليل الممارسات التي تؤدي بنا إلى الخمول البدني. هناك العديد من الطرق لتقليل مخاطر حدوث ذلك، هذه بعضها:

• تقسيم الوقت: إذا كان عليك الجلوس أمام الكمبيوتر طوال اليوم، يمكنك تقسيم الوقت. ليس عليك استبدال الجلوس بوقتٍ في صالة الألعاب الرياضية. فقط يمكنك ممارسة قليل من النشاط أثناء النهار. لكل عشرين دقيقة من الجلوس، بإمكانك الوقوف لمدة ثماني دقائق والتحرك لمدة دقيقتين.

• صعود الدرج: من المفيد الصعود على السلالم بدلًا من استخدام المصاعد. ثبت أن ذلك يحرق سعرات حرارية أكثر في الدقيقة من الركض، ويحسن لياقة القلب والجهاز التنفسي. بذلك سنحافظ على وزن صحي، وبناء عظام ومفاصل وعضلات قوية والحفاظ عليها.
• الحصول على دعم اجتماعي: نشرح اهتمامنا بالنشاط البدني للأصدقاء والعائلة. نطلب منهم دعم جهودنا، أو ندعوهم للتمرن معنا. ومن الجيد تكوين صداقات جديدة مع الأشخاص النشطين بدنيًا.
• المشي في ساحة انتظار السيارات: ركن السيارة في أقصى نهاية موقف السيارات أو بعيدًا عن وجهتك، هو طريقة سهلة لإضافة خطوات إضافية إلى يومك. سيمنحك المشي عبر ساحة الانتظار أو حول مبنى من مكتبك، لحظات أطول بالخارج لامتصاص أشعة الشمس أو الاستمتاع بتغير الفصول. الأمر الذي يمكن أن يكون مفيدًا لصحتك العقلية أيضًا.
• تتبع الخطوات: يمكن ذلك باستخدام متتبع اللياقة البدنية أو الهاتف أو عداد خطوات بسيط. نوصي عادة بهدف 10000 خطوة في اليوم. ولكن إذا كنت قليل الحركة، فإن أي تحسن سيكون مفيدًا. إذا كنت تحصل على 2000 خطوة فقط في اليوم، فحاول أن تستهدف ضِعف ذلك.
• في العمل: يمكن أخذ استراحة للوقوف أو التحرك عدد من الخطوات أو إعداد مشروب، بعد فترةٍ من الجلوس. كذلك إجراء المكالمات خارج المكتب والتجول أثناء ذلك. وإذا كنت صاحب العمل، جرب القيام باجتماعات المشي والتحدث مع العملاء والموظفين أثناء التجول. 

هونوها وتهون

في النهاية، علينا أن ندرك خطورة الخمول البدني والتحرك لأخذ خطوات جادة في مواجهته، لكي نعيش حياة أفضل. إنه وحشٌ يختبئ في وسائل راحتنا، ويتسلل إلينا دون أن ندري. الأمر يتعلق فقط بإرادتنا في كسر ذلك النمط الخامل للعيش، وإدخال المزيد من النشاط والحيوية إلى حياتنا. لذا يمكنكم الاشتراك على تطبيق تهون، والاستماع إلى البرامج الإرشادية المختلفة المقدمة من المختصين النفسيين والمدربين المعتمدين، التي تتناغم مع ثقافتكم وتساعدكم في فهم نمط حياتكم.

يحتوي تطبيق تهون على محتوى صوتي أصلي ومتجدد باللهجة الخليجية للتعامل مع التحديات اليومية مثل مشاكل التغذية والنوم، والتوتر، وقلة الإنتاجية. بالإضافة للوصول إلى الأهداف طويلة المدى مثل تغيير العادات غير الصحية واستبدالها بعادات صحية وأنماط تفكير إيجابية. يمكنك تحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي ومتابعتنا على مواقع التواصل الاجتماعي.