سعادة

أطباء نفسيون يكشفون الروابط بين الفيروسات المستجدة والصحة النفسية

الاستجابات المناعية ضد فيروسات مثل -سارس وكوفيد 19- قد تؤثر على الصحة النفسية والعكس صحيح. الأطباء يكشفون كيف يحدث ذلك بالضبط. عندما انتشر وباء كوفيد-19، كان السؤال الأهم: لماذا أثَر المرض على بعض الناس أكثر من غيرهم؟ فمع بداية خريف 2020، أفادَ الأطباء النفسيون أنَّ من بين المجموعات الأكثر عرضةُ للإصابة بحالة حادة من كوفيد-19، […]

الاستجابات المناعية ضد فيروسات مثل -سارس وكوفيد 19- قد تؤثر على الصحة النفسية والعكس صحيح. الأطباء يكشفون كيف يحدث ذلك بالضبط.

عندما انتشر وباء كوفيد-19، كان السؤال الأهم: لماذا أثَر المرض على بعض الناس أكثر من غيرهم؟ فمع بداية خريف 2020، أفادَ الأطباء النفسيون أنَّ من بين المجموعات الأكثر عرضةُ للإصابة بحالة حادة من كوفيد-19، يسجل الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية النسبة الأعلى. كايتلين نيماني، طبيبة نفسية في جامعة نيويورك، قررت التعمق أكثر في هذا الموضوع.

في شهر يناير، نشرت ديماني ومجموعة من زملائها دراسة  أُجريت على 7348 مصابًا بكوفيد-19 في نيويورك، وإحدى النتائج كانت قاسيةً، فقد تبين أنَ الأشخاص الذين يعانون من الفصام أكثر عرضة  للموت بسبب كوفيد-19 بمعدل مرتين ونصف أعلى من غيرهم.

“لقد كانت نتيجةً صادمةً للغاية ” تقول نيماني.

منذ ذلك الحين، أظهرت المزيد من الدراسات، أن أسوأ  نتائج  كوفيد-19 هي من نصيب الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الصحة النفسية المُشخصة بما في ذلك الاكتئاب واضطراب ثنائي القطب وانفصام الشخصية.

على ما يبدو، هناك  رابط  بيولوجي  في الجسم متعلق بهذه الاضطرابات قد يكون له تأثير على حدة المرض. وقد أشار شارل رايسن، طبيب نفسي وباحث في جامعة ويسكونسن ماديسون الى أنَ ذلك يدل على وجود ضعف فسيولوجي لدى هؤلاء الأشخاص.وتقول نيماني: ” ليس بالضرورة أن يكون المصابون بالفصام أو اضطرابات المزاج أكثر عرضة للإصابة بكوفيد19 .إنما في حال الإصابة، تكون الأعراض أسوأ.” 

تبين أن الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات هم أكثر عرضة للموت بسبب كوفيد19 بمعدل مرتين ونصف أعلى من غيرهم، حتى بعد السيطرة على العوامل الأخرى التي تزيد من حدة المرض، (وفي حال عدم السيطرة عليها تكون النسبة أعلى). وتقول نايمي أنَ درجة الخطورة في هذه الحالات، مساوية لعوامل الخطر الأخرى الثابتة مثل أمراض القلب والسكري.  

ما الذي يجري؟ ما الذي يجعل  المرضى النفسيين أكثر ضعفاً في حال تعرضهم لأمراض تنفسية؟يقول الأطباء النفسيون الذين يدرسون هذه الأمراض أنَ السبب قد يكمن في الصلة بين الصحة النفسية وجهاز المناعة، فقد وجدوا أنَ أعباء الصحة النفسية قد تجعل الناس أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، بالإضافة إلى ذلك  إنهم يعتقدون  أن استجابات جهاز المناعة قد تسبب بعض المشاكل النفسية.

كيفية تأثير جهاز المناعة على الصحة النفسية 

وفقاً للمؤلفات  العلمية، توجد روابط  بين الصحة النفسية وجهاز المناعة، على رأسها  دراسات أظهرت أنَ العديد من الأشخاص المصابين بالاكتئاب، اضطراب ثنائي القطب وانفصام الشخصية ( بالإضافة إلى أمراض نفسية أخرى، تشكل عوامل خطر أخرى بالنسبة لكوفيد 19  لم يأت مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها على ذكرها) يعانون من الالتهاب بمستويات أعلى في جميع أنحاء الجسم.

الالتهاب هو أحد ردود فعل الجسم  في مواجهة الفيروسات الخطيرة مثل. سارس وكوفيد 19، ويتشكل من فيض السوائل التي تحتوي على خلايا جهاز المناعة التي تنتقل من الدم إلى أنسجة الجسم للمساعدة  على التخلص من العدوى. مما قد يسبب  تورم المناطق المصابة في الجسم.يُساعد الالتهاب على التخلص من العدوى في حال كان قصير المدى، وقد يسبب مشاكل في حال كان مزمنًا، في هذه الحالة،  من الممكن أن يؤثر على القلب ويؤدي الى أمراض  كالسكري مثلاً.

 بالنسبة لكوفيد 19، يُرجح العلماء أن يكون  الالتهاب أو الخلل المناعي الأساسي لجهاز المناعة  من الأسباب المؤدية الى  رد الفعل العنيف لبعض المرضى على الفيروس مسببًا أسوأ العوارض التي قد تنتهي بالمرضى إلى المستشفى وتؤدي إلى الموت.   

العلاقة بين المرض النفسي وتفاقم الالتهاب

وكما تشرح نيماني، هناك علاقة طردية بين حدة المرض النفسي وتفاقم الالتهاب، فنلاحظ زيادةً طفيفة في الالتهاب الجهازي عند الأشخاص المصابين بالاكتئاب. والذي  يتفاقم أكثر لدى الأشخاص المصابين باكتئاب حاد وأكثر كذلك لدى الأشخاص المصابين بمرض ثنائي القطب والانفصام في الشخصية. (كل هذه الأسباب متواجدة بشكل دائم، بنسب أكثر أو أقل خطورة.)

بالتالي، قد يُعاني الأشخاص المصابون ببعض المشاكل النفسية من التهابات  مزمنة، التي بدورها قد تؤدي إلى نتائج سلبية في حال الإصابة بالكوفيد-19. السؤال هو كالتالي: لماذا يعانون من التهابات مزمنة بالدرجة الأولى؟ جزء من السبب قد يكون ببساطة التوتر الدائم الناتج عن الأمراض النفسية التي يعيشها الشخص المصاب، وهذا التوتر قد يُسبب التهابات، هذا بالإضافة إلى قلة النوم. بالنسبة للاكتئاب، يقول الدكتور روجيه ماسينتر- بروفيسور في الطب النفسي في جامعة تورونتو : يلاحظ العلماء غالبًا وليس دائمًا وجود ارتفاعٍ في مؤشرات  التهاب  الدم  لدى المصابين به. حاليًا، قد يكون السبب الرئيسي لذلك  أو لا يكون.  ويضيف: ” قد يكون المسبب الرئيسي عند بعض المرضى  وسببًا ثانويا عند مرضى آخرين. “

 وهنا يُطرح سؤال آخر:” لماذا يؤثر جهاز المناعة على مزاجنا ويزيد  من حدة  تعبنا؟ “

جهاز المناعة والصحة النفسية

أعطى ماسينتر مثلاً عن الرشح لشرح ذلك، قائلًا: ” عندما تعاني من الرشح، لا تكون مصابًا بالاكتئاب، إنما تظهر عليك عدة عوارض تشبه إلى حد ما عوارضه، مثل الشعور بالتعب، النوم المتقطع, فقدان الشهية، عدم الاستمتاع بالكثير من الأمور، واللامبالاة رغم وجود الأشياء اللطيفة في حياتك. وهذه العوارض على الأرجح هي نتاج جهاز المناعة  بعد تفعيله . وهذا ما قد يفسر عوارض الاكتئاب عند الأشخاص المصابين . 

بمعنى أنه عندما لا يعمل جهازك المناعي بشكل صحيح، قد يساهم ذلك في ظهور عوارض الاكتئاب أو ربما ينتج عنها. 

مؤخرًا نشر الباحثون في مجال الصحة العامة في يال دراسة تمت على مستوى المحافظة وبينت العلاقة بين الصحة النفسية العامة للأشخاص وحالات كوفيد-19 الإيجابية. في حين تطرقت  التحليلات الاستخلاصية المذكورة أعلاه إلى مخاطر العدوى للتشخيصات الحالية،  نظرت هذه الدراسة في مقياس أكثر عمومية لـ “أيام الصحة النفسية السيئة”، وهو عبارة عن مقياس ذاتي  يقوم من خلاله الأشخاص بتذكر”عدد الأيام التي يشعرون فيها بالإحباط أو يعانون فيها من بعض المشاكل العاطفية”، يقول يوسف رانسم  عالم الأوبئة الذي أطلق الدراسة.  

في هذه الدراسة،  تم استخدام “أيام الصحة النفسية السيئة” كطريقة لقياس معدل حدة اضطرابات الصحة النفسية في منطقة معينة، وقد تبين أنه مرتبط بعوامل انتشار العدوى. وبالرغم من هذا التحليل الدقيق،  كان من الصعب تحديد الأسباب، لكن على الأقل، يقول رانسم، اقتُرِح أنه عند تقاطع العدوى مع اضطرابات الصحة النفسية، لا يجب التركيز فقط على المسائل التي ترتقي إلى مستوى التشخيص. 

” إذا ركزنا فقط على الأعراض المتلازمة، قد تغيب عنا النسخة الأكثر شيوعًا لاختبار الناس  للصحة النفسية”، يقول رانسم. “علينا النظر حتى إلى أبسط المؤشرات للسلامة النفسية. ليس من الضروري أن يُشخّص الناس من قبل مختص بمرض الاكتئاب لندرك مدى حدة تأثيره.” 

ويُضيف: “تحديد المجتمعات التي تكون فيها الصحة النفسية سيئة عمومًا، قد يهدف للتدخل والتوعية للمساعدة في  التعامل مع تفشي الفيروس في المستقبل.”

في الوقت الراهن، يسعى العلماء الذين يبحثون عن التداخل بين الصحة النفسية وجهاز المناعة إلى إعلام العامة أن اضطرابات الصحة النفسية قد تتسبب باضطرابات الجسم بأكمله وليس الدماغ فقط. لهذا السبب، أثنى العلماء على قرار مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها لاعتباره  هذه الاضطرابات  من عوامل الخطر التي تزيد من حدة كوفيد-19. يعاني الكثير من الأشخاص المصابين بهذه الاضطرابات من نقص في الرعاية الصحية بشكل عام.

” لا يتلقى الأشخاص المصابون باضطرابات الصحة النفسية وخاصة انفصام الشخصية والاكتئاب الحاد، الرعاية الأولية كغيرهم من المصابين”، تقول نيماني. “إن قيام مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها بتحديث لائحة المخاطر العالية لتشمل بعض هذه الحالات الصحية النفسية، يشكل فعلًا قرارًا مميزًا ربما يساهم في إنقاذ حياة الكثيرين.”

من الصعب التفكير في أيَة جوانب إيجابية أثناء الوباء، ولكن واحدة من هذه الجوانب هي القدرة على اكتساب المعرفة. “نحن كلنا نواجه فيروسًا واحدًا في وقت واحد ومحدد، يصيب الكثير من الناس على نطاقِ لم نشهده من قبل.”، تقول نيماني. 

إذا استطاع العلماء استغلال الوباء للتعرف أكثر على طبيعة هذه الأمراض النفسية وكيفية تفاعلها مع جهاز المناعة،فإن ذلك سيساعد على إنقاذ أرواح الكثيرين أيضاً في المستقبل. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المقالة مترجمة من VOX.COM

رابط المقالة الأصلية: https://www.vox.com/science-and-health/22783685/covid-19-depression-mental-health-risks-immunology

وللمزيد من المحتوى اليومي المبني على دراسات علمية لنوم أفضل وتوتر أقل، قوموا بتحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي وتابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي.

د. نايف المطوع

الدكتور نايف المطوع صاحب عدة مبادرات ورجل أعمال حائز على عدة جوائز، وأخصائي نفسي وتنويم مغناطيسي ومؤسس مركز السور للعلاج والتقييمات الاحترافية، المركز الريادي في الكويت بمصادره المتنوعة من الخدمات النفسيَة. وهو مرخص على التوالي من ولاية نيويورك ودبي وبحرين وقطر والكويت، ومن الرابطة الوطنية لأخصائيي التنويم المغناطيسي وعضو الجمعية النفسية الأمريكية.  
 
الدكتور نايف أستاذ مساعد وعضو هيئة التدريس في كلية الطب بجامعة الكويت، حيث يدرس علم النفس الإكلينيكي، ومهارات التواصل والكتابة الإبداعية والعلاج السلوكي الإدراكي منذ سنة 2005. وهو أخصائي نفسي في المشاكل الجنسية مرخص من طرف الجمعية الأمريكية لأخصائيي التربية والعلاجات والاستشارات الجنسية.

مقالات ذات علاقة

جرب تطبيق تهون مجانا الآن!

ستحصل على جلسات وبرامج مخصصة بناءا على أهدافك التي تود تحقيقها

  • التحميل من متجر آبل
  • التحميل من متجر جوجل