كانت فاطمة تمر بيومٍ صعب؛ إذ عَلِقت في الزحام المروري ووصلت إلى العمل متأخرة. كان المصعد معطلًا عند وصولها، فزاد ذلك من تأخيرها؛ ما عرضها للإحراج مع مديرها، بعد ذلك تعطل جهاز الكمبيوتر الخاص بها وفقدت مستندًا مهمًّا عملت عليه لعدة أسابيع. شعرت فاطمة بالإجهاد والتوتر، ولم تعرف كيف تتعامل مع كل الصعوبات التي تواجهها! رأت أن يومها لا يسير كما يجب، فتركت مقر عملها وقررت العودة إلى المنزل. لم تكن تعلم أن عليها فقط التراجع خطوة إلى الوراء والتعامل مع الأمور ببعض المرونة النفسية. لكن كيف يمكنها ممارسة هذه المهارة؟ وهل هي شيء يمكن اكتسابه؟
ماذا نعرف عن المرونة النفسية؟
وفقًا لجمعية علم النفس الأمريكية فإن المرونة النفسية هي عملية التكيف الناجح مع تجارب الحياة الصعبة أو الصدمات النفسية؛ أي إنها قدرة الفرد على تحمل الأحداث السلبية والضغوط والتكيف معها؛ مثل: مشاكل الأسرة والعلاقات، والمشاكل الصحية الخطيرة، والضغوط المالية وضغوط العمل.
الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة النفسية يستطيعون تطوير إستراتيجيات ومهارات للتأقلم تجعلهم يحافظون على هدوئهم وتركيزهم أثناء الأزمة، ويمضون قدمًا دون عواقب سلبية طويلة المدى؛ مثل الضيق والقلق.
وهناك عدة عوامل تسهم في مدى تكيُّف الناس مع الشدائد، من بينها: كيف ينظرون إلى العالم، وإستراتيجيات محددة للتأقلم والتفاؤل، والقدرة على تنظيم المشاعر.
الأشخاص المرنون نفسيًّا يعتبرون الأزمات مواقف تستحق المواجهة بكل الوسائل وليس الهروب منها؛ لذلك نجد أن لديهم صفات رائعة تجعلهم محبوبين ممن حولهم؛ من أبرز هذه الصفات: القدرة على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب، والتعلم من الأخطاء ومواجهتها، والبساطة والمرح في التعامل مع الآخرين، والقدرة على التحمل، والقدرة على تكوين العلاقات.
لماذا يجب أن نتمتع بالمرونة النفسية؟
يُعد التفاؤل أحد عوامل المرونة النفسية التي تسهم في تقليل آثار التوتر والإجهاد، حيث يتيح التفاؤل للناس القدرة على التحليل الهادئ لمشكلاتهم، والنظر في المسارات السلوكية التي قد تكون أكثر إنتاجية. كما تشير البحوث إلى أن التفاؤل يرتبط بانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات الناتجة عنها.
تقول الدكتورة «سيلدا كوديمير» الأستاذة المساعدة بقسم علم النفس بجامعة بامبرغ الألمانية: «تمنحنا المرونة النفسية القدرة على تغيير وجهات نظرنا وأفعالنا عندما نشعر بعدم الراحة أو الصعوبة». كما يمكن أن تساعد في تقليل التوتر والقلق والاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة، وغيرها من مشكلات الصحة العقلية. كذلك أظهرت الدراسات أنها تساعد الأفراد على إدارة الألم المزمن.
أما أولئك الذين يفتقرون إلى المرونة النفسية فقد تطغى عليهم التجارب السلبية، ويُسهبون في الحديث عنها، ويستخدمون آليات التأقلم غير المفيدة للتعامل معها، وقد تدفعهم خيبة الأمل أو الفشل إلى سلوكيات غير صحية أو مدمرة. هؤلاء الأفراد هم أبطأ في التعافي من النكسات، وقد يعانون من ضيقٍ نفسي أكبر.
ولا يعني هذا بالطبع أن المرونة النفسية تقضي على التوتر أو تمحو صعوبات الحياة، أو تجعل حياتنا وردية تمامًا، إننا فقط نفهم أن الانتكاسات تحدث وأن الحياة في بعض الأحيان صعبة ومؤلمة.
المرونة النفسية وعلاقتها بالرضا عن الحياة
يعتبر الرضا أحد علامات اتساق الفرد مع ذاته، وتصالحه مع جوانب حياته المختلفة. وبالرضا يكون الفرد أكثر إنتاجية واستقرارًا وسعادة، كما يُعد أيضًا عاملًا أساسيًّا لتقبل الإنسان للأحداث والمواقف الحياتية؛ لذلك يدل انخفاض مستوى الرضا على عدم تمتعنا بالمرونة النفسية، والتأزم عند مواجهة ضغوط الحياة؛ لذا يمكن القول إن المرونة النفسية مرتبطة بالرضا عن الحياة ارتباطًا وثيقًا؛ إنهما يحددان درجة تمتع الفرد بالعافية النفسية التي تؤثر في مسار حياته.
كما يُعد مستوى التفاؤل مؤشرًا مهمًّا لمعرفة مدى رضانا عن حياتنا؛ فقد يتحول الأفراد الذين يعانون من كثرة الضغوط -لكنهم لا يتمتعون بالمرونة النفسية- إلى أفراد ذوي أفكار متشائمة، ومن ثَم سيكونون غير راضين. في حين أن التفاؤل يساعد الفرد على النظرة الإيجابية للحياة والإقبال عليها، ومن ثم يستطيع التغلب على الصعاب والتعامل مع المواقف الضاغطة بفاعلية.
حاولت إحدى الدراسات بحث العلاقة بين كلٍّ من المرونة والإجهاد والرضا عن الحياة لدى الطلاب؛ فوقع الاختيار العشوائي على 110 من الطلاب الناجحين والطلاب الراسبين بإحدى الجامعات، وبعد إجابتهم عن بعض الأسئلة وقياس مقدار المرونة والإجهاد الملحوظ والرضا عن الحياة لديهم، وجدوا أن الطلاب الناجحين كانوا أقل إجهادًا وأكثر مرونة نفسية ورضا عن الحياة من الطلاب الراسبين، إذ كان الطلاب المرِنون نفسيًّا أكثر وعيًا ومسؤولية وإيمانًا بقدرتهم على التحكم ببيئتهم؛ لذلك كانوا يدركون قدرتهم على النجاح في الاختبارات ومن ثَم الشعور بالرضا عن أنفسهم.
توظيف المرونة النفسية للنجاح في العمل
يتسبب الاحتراق النفسي في خسائر فادحة في أماكن العمل؛ لارتباطه بزيادة معدلات التغيب عن العمل وانخفاض الإنتاجية، بالإضافة إلى التأثير السلبي الذي يحدثه في صحة الموظفين الجسدية والنفسية، في حين نجد أن الموظفين الذين يتمتعون بالمرونة النفسية أكثر قدرة على التعامل مع التوتر، وأقل عرضة للمعاناة من الإجهاد.
وترتبط المرونة النفسية بحالات إيجابية مختلفة؛ مثل: الحماس والفضول والانفتاح على التجربة. هذه الحالات العاطفية لها تأثير هائل في مكان العمل؛ حيث تُمَكِّن الموظفين المرنين من بناء روابط وعلاقات قوية مع الآخرين تتميز بالاتصال الفعال؛ إذ يستمع الفرد بنشاط لزملائه ويستجيب لعواطفهم، ويفعل ما بوسعه لمساعدة الآخرين على تحقيق النجاح في مكان العمل.
وتتضمن المرونة النفسية القدرة على تركيز انتباهنا على حل التحديات بطرق أكثر فاعلية؛ فنحن الموظفون غالبًا ما نتلقى تدفقات كثيرة من المعلومات والمهام، وبدلًا من الشعور بالارتباك أو التوتر بسبب ذلك يمكننا أن نتعلم التبديل بين المهام أو تقسيمها؛ ما يؤدي إلى التنظيم والكفاءة وتحسين الإنتاجية.
إذن، كيف يمكننا بناء المرونة النفسية في مكان العمل؟ يمكن لبعض الممارسات مساعدة الموظفين على تطوير مهاراتهم للحد من تأثير الشدائد والضغط في مكان العمل؛ وقد يشمل ذلك: ممارسة اليقظة الذهنية، وتطوير قدرة الدماغ على اتخاذ القرارات وحل المشكلات بسرعة.
نقترح أيضًا:
- خلق مواقف إيجابية واستخدام التحفيز في العمل؛ ما يمنح الموظفين الإحساس بالسيطرة على بيئة عملهم.
- التمتع بالذكاء العاطفي؛ ليعي الموظف مشاعره السلبية والإيجابية، ويدرك تداعيات ردود أفعاله وسلوكه وتأثيرات أفعاله على الآخرين.
- تحقيق التوازن الصحي بين العمل والحياة؛ ومن ثم يحتاج الموظفون إلى وقتٍ للراحة والاسترخاء، لشحن طاقتهم التي يمكن استنفادها بسهولة إذا لم يكن هناك توازن بين عملهم وحياتهم الشخصية.
- الالتزام بالمهام المطلوبة؛ حيث يخلق ذلك فهمًا كاملًا لكل تفاصيل الوظيفة؛ ومن ثَم سنكون مستعدين لأي جديد يطرأ علينا ونتعامل معه بمرونة نفسية.
كيفية بناء وتطوير المرونة النفسية
نتفق جميعًا في أننا لن نتمكن من منع أو حجب التوتر المصاحب لكل تفاصيل وضغوط الحياة؛ لذا إما أن ننهزم أمامه وإما أن نتعامل معه بمرونة وذكاء، ونتحكم به أو نقلل من آثاره.
هناك العديد من الإستراتيجيات التي يمكن أن تساعدنا على تحمل المشاعر السلبية وتخطيها، وتسهم الممارسة المنتظمة لهذه الإستراتيجيات في بناء المرونة النفسية التي تمكننا من التعامل بشكلٍ أفضل مع تحديات الحياة. وإليكم بعض هذه الإستراتيجيات:
- مشاركة المخاوف والمشاعر المجهدة مع الآخرين لتخفيف العبء؛ فمجرد معرفة أن الآخرين يهتمون أو أنهم قد عانوا من مشاعر مماثلة يمكن أن يكون مفيدًا لتحمل الأوقات الصعبة والخروج منها.
- ممارسة الرياضة التي تؤدي إلى إطلاق عدد من الناقلات العصبية في الدماغ؛ مثل الإندورفين والدوبامين والسيروتونين، ويعمل ذلك على تحسين الحالة المزاجية، وتعزيز المرونة النفسية والعصبية.
- ملاحظة الأشياء الإيجابية الموجودة في حياتنا في الأوقات الصعبة؛ حيث من المفيد أن نكون مدركين لما يسير على ما يرام، أو يجلب لنا السعادة.
- العمل المجتمعي ومساعدة الآخرين: تلك أنشطة تحوِّل انتباهنا إلى الخارج قليلًا، إذ يمكن لإبعاد طاقتنا عن التوتر والقلق وتوجيهها في تقديم مساهمة إيجابية أن يخلق إحساسًا بالتحكم.
- تأمل اليقظة الذهنية: إن أكثر أفكارنا إيلامًا عادة ما يكون حول الماضي أو المستقبل، أمَّا عندما نتوقف ونجذب انتباهنا إلى الحاضر فقد نجد أن الأمور على ما يرام. فممارسة اليقظة الذهنية ستوفر لنا تقنيات للتعامل مع المشاعر السلبية عند ظهورها.
- التعرف إلى نقاط قوتنا والتمتع بتقدير الذات العالي؛ حيث سيسهم ذلك في الصمود أمام الأحداث المُجهِدة، ويساعد على بناء ثقتنا بأنفسنا ومن ثم تحسين طريقة تصرفنا.
هونوها وتهون
كلنا نتمنى أن نعيش حياة هادئة وسعيدة؛ لذلك قد نركز على إيجاد طرق لنصل إلى أفضل نسخة من أنفسنا في أعمالنا أو في علاقاتنا أو في السعي وراء الأشياء التي نستمتع بها. علينا فقط أن نتذكر أن السر يكمن بداخلنا، وأننا نحتاج إلى التحلي بالمرونة النفسية التي تعيننا على التغلب على تحديات الحياة.
لاكتساب وتطوير المرونة النفسية، يحتوي تطبيق «تهون» على محتوى صوتي أصلي ومتجدد باللهجة الخليجية للتعامل مع التحديات اليومية؛ مثل: التوتر، وصعوبات النوم، وقلة الإنتاجية. بالإضافة إلى الوصول لأهدافٍ طويلة المدى؛ مثل أن نستبدل العادات غير الصحية بعاداتٍ صحية وأنماط تفكير إيجابية. يمكنكم تحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي ومتابعتنا على مواقع التواصل الاجتماعي.