د. نايف المطوع
قد يكون المعرِّي أشهر المكتئبين في التاريخ العربي، ولا ريب أنَّ فقدانه لبصره وظروف الفقد والإيذاء الذي تعرَّض له تسببت في دخوله في حالة اكتئاب شديدة وزهد تام في الحياة دون استشعار لأي لذة تُذكَر.
وفي بيته الذي يجعل الموت أخف وطأة في الألم من ساعة الميلاد، اختصاراً لحالة المكتئب في كرهه للحياة وملذاتها وانتظاره الموت أو حتى تفكيره في الانتحار:
إن حزناً في ساعة الموت أضعا ف سرورٍ في ساعة الميلاد
هذا المرض النفسي الذي يصيب البشر منذ آلاف القرون والذي قد ذكر في التراث الإنساني والأدبي بأشكال متعددة، ما زال حاضراً إلى يومنا هذا بالرغم من تحسُّن ظروف المعيشة العامة وظروف التواصل وسهولة الحياة. بل وإنه وفي ظل ما يحدث في العالم خلال السنوات الأخيرة فإن أعداد المصابين في ازدياد، حيث إنه وبحسب منظمة الصحة العالمية (WHO) وفي إحصائية سبتمبر ٢٠٢١، تبيَّن أن ما نسبته ٥٪ من البالغين يعانون من الاكتئاب وبما يقدَّر ٢٨٠ مليون نسمة من سكان الأرض.
وبحسب منظمة الصحة فإن الاكتئاب قد يتطوَّر ليصبح مشكلة صحية جديَّة إذا لم يتم علاجه، وقد تؤدي الى الانتحار.
الأعراض
بحسب موقع مايو كلينيك، فإنه على الرغم من أن الاكتئاب قد يحدث مرة واحدة فقط خلال حياة الفرد، فعادةً ما يعاني الناس من نوبات متعددة منه. خلال هذه النوبات، تحدث الأعراض معظم اليوم، وكل يوم تقريبًا وقد تشمل:
- الشعور بالحزن، البكاء والفراغ أو اليأس.
- القلق ونوبات الغضب أو الانفعال أو الإحباط، حتى بشأن الأمور الصغيرة.
- فقدان الاهتمام أو الاستمتاع بمعظم أو كل الأنشطة العادية، مثل الجنس أو الهوايات أو الرياضة.
- اضطرابات النوم، بما في ذلك الأرق أو النوم لفترات طويلة.
- التعب ونقص الطاقة، لذلك حتى المهام الصغيرة تتطلب مجهودًا إضافيًا.
- قلة الشهية وفقدان الوزن أو زيادة الرغبة الشديدة في تناول الطعام وزيادة الوزن.
- تباطؤ التفكير أو التحدث أو حركات الجسم.
- الشعور بانعدام القيمة أو الذنب والتركيز على إخفاقات الماضي أو لوم الذات.
- صعوبة في التفكير والتركيز واتخاذ القرارات وتذكر الأشياء.
- أفكار متكررة عن الموت، أو الأفكار الانتحارية، أو محاولات الانتحار، أو الانتحار فعليا.
- مشاكل جسدية غير مبررة، مثل آلام الظهر والدوخة أو الصداع.
الأسباب
بحسب ما نشرت منظمة الصحة ومجلة هارفرد المتخصصة بالصحة بالإضافة الى منشورات مايوكلينك، تم توضيح أن الاكتئاب ينتج عن تفاعل متداخل بين العوامل الاجتماعية والنفسية والبيولوجية، وأن أسباب الاكتئاب ممكن أن تصنَّف إلى الفئات التالية:
كيمياء الدماغ
الناقلات العصبية هي مواد كيميائية تنتقل بشكل طبيعي في الدماغ وتشير الدراسات أنه من المحتمل أن تلعب دورًا في الاكتئاب عندما يحدث لها تغيَّرا ما.
أحداث الحياة العصيبة
الأشخاص الذين مروا بأحداث صعبة في الحياة مثل (البطالة، الأحداث المؤلمة كالفقد والصدمات المؤلمة كالحروب والكوارث الطبيعية) هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
المشاكل الصحية
يمكن أن تؤدي بعض المشاكل الصحية إلى الاكتئاب، ومثال على ذلك:
- أمراض القلب والأوعية الدموية.
- مرض باركنسون والزهايمر.
- اضطرابات الغدد الصماء والهرمونات، مثل مشاكل الغدة الجار درقية أو الغدة الكظرية التي تؤدي إلى إنتاج القليل جدًا أو الكثير من هرمونات معينة.
- بعض الاعتلالات الغذائية مثل فيتامين ب ١٢.
- بعض الفيروسات مثل فيروسات الكبد ومرض نقص المناعة.
- السرطانات.
الجينات
تتأثر الحالة المزاجية بعشرات الجينات، وكما تختلف تركيبة جيناتنا، كذلك يتأثر شكل الاكتئاب للشخص بناء على ذلك. وتشير بعض الأبحاث الى أن الأشخاص اللذين لديهم أقارب قد عانوا من الاكتئاب تزداد احتمالية اصابتهم بالاكتئاب.
تغيُّر الفصول
يشعر الكثير من الناس بالحزن الطفيف عندما ينتهي الصيف ويدخل الخريف، لكن البعض يصابون بالفعل بالاكتئاب مع تغير المواسم. يُعرف هذا النوع من الاكتئاب بالاضطراب العاطفي الموسمي (SAD)، ويؤثر على حوالي 1 ٪ إلى 2 ٪ من الاشخاص، وخاصة النساء والشباب.
بعض الأدوية
تشير بعض الابحاث أن عدد قليل من الأدوية – مثل حبوب منع الحمل أو بروبرانولول (propranolol) والمنشطات وأدوية ضغط الدم – قد تؤثر على حدوث الاكتئاب.
العلاجات
بحسب منظمة الصحة العالمية وموقع ويب مد الطبي فإن علاج الاكتئاب قد يمكن أن يكون من خلال دمج العلاج الطبي وتغيير أسلوب الحياة. بعد التحقق الطبي من وجود الاكتئاب، قد تتراوح العلاجات فيما يلي:
الحلول الطبية
اعتمادًا على شدة ونمط نوبات الاكتئاب مع مرور الوقت، قد يقدم مقدمو الرعاية الصحية علاجات نفسية مثل التنشيط السلوكي والعلاج السلوكي المعرفي والعلاج النفسي بين الأشخاص و/ أو الأدوية المضادة للاكتئاب مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCAs).
تشمل أشكال العلاج النفسي المختلفة التي يجب مراعاتها العلاجات النفسية الفردية و / أو الجماعية التي يتم تقديمها وجهًا لوجه من قبل المتخصصين والمعالجين العاديين الخاضعين للإشراف. مضادات الاكتئاب ليست هي خط العلاج الأول للاكتئاب الخفيف، حيث لا ينبغي أن تستخدم لعلاج الاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين، الذين ينبغي استخدام الادوية معهم بحذر شديد.
تعديلات على أسلوب الحياة
الحصول على روتين
يمكن للاكتئاب أن يدمِّر النظام من الحياة. لذلك يمكن أن يساعد وضع جدول يومي لطيف في العودة إلى المسار الصحيح.
تحديد الأهداف
عندما تكون مكتئبًا، قد تشعر أنك لا تستطيع تحقيق أي شيء. هذا يجعلك تشعر بالسوء تجاه نفسك. للتعديل، حدد أهدافًا يومية لنفسك وابدأ بأهداف صغيرة ثم زد على ذلك.
الرياضة
تعزز الرياضة مؤقتًا المواد الكيميائية التي تُشعر بالرضا عن النفس والتي تسمى الإندورفين.
تحمل المسؤوليات
عندما تكون مكتئبًا، قد ترغب في الانسحاب من الحياة والتخلي عن مسؤولياتك في المنزل والعمل. لا تفعل ذلك. يمكن أن يساعدك الاستمرار في المشاركة وتحمل المسؤوليات اليومية في الحفاظ على نمط حياة يساعد في مواجهة الاكتئاب.
تحدِّي الأفكار السلبية
في معركتك ضد الاكتئاب، يكون الكثير من العمل ذهنيًا، تغيير طريقة تفكيرك يتطلب تدريبًا، ولكن بمرور الوقت يمكنك التغلب على تلك الأفكار السلبية قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة.
استشر طبيبك قبل استخدام المكملات
هناك أدلة واعدة لبعض المكملات الغذائية للاكتئاب. وتشمل زيت السمك، وحمض الفوليك. استشر طبيبك دائمًا قبل البدء في تناول أي مكمل، خاصة إذا كنت تتناول أدوية طبية بالفعل.
افعل شيئًا جديدًا
عندما تكون مكتئبًا، فأنت في مأزق. ادفع نفسك للقيام بشيء مختلف. اذهب إلى متحف. التقط كتابًا مستعملًا واقرأه على مقعد في الحديقة. تبرع لإعداد وجبة طعام.
حاول أن تحظى بالمرح
إذا كنت مكتئبًا، خصص وقتًا للأشياء التي تستمتع بها وتشعرك بالبهجة.
تجنب الكحول والمخدرات
بحسب مجلة ويب مد، فإن الكحول تعمل على أن تجعل الاكتئاب أسوأ ناهيك عن كون تناولها قد يؤدي الى الاكتئاب لما قد تسببه من نوبات الحزن المتكررة وتأثيرها على كيمياء الدماغ واتخاذ القرارات الغير متزنة التي قد تربك استقرار الحياة. وذلك ينطبق أيضا على تناول المخدرات، حيث إن التغيير الذي يحدث على كيمياء الدماغ قد يتسبب على المدى البعيد بأمراض نفسية قد يكون أحدها الاكتئاب.
الأكل صحي
لا يوجد نظام غذائي سحري يعالج الاكتئاب. ولكن من الجيد مراقبة ما تأكله. خصوصا إذا كان الاكتئاب يميل إلى جعلك تفرط في تناول الطعام، فإن التحكم في طعامك سيساعدك على الشعور بالتحسن.
تأثير التأمل على الاكتئاب
بحسب معهد بنسون-هنري لطب الجسم والعقل في مستشفى ماساتشوستس العام التابع لجامعة هارفارد، فإن التوتر والقلق من الأسباب الرئيسية للاكتئاب، ويمكن أن يغير التأمل رد فعلك تجاه تلك المشاعر. يقول الدكتور جون دبليو دينينجر، مدير الأبحاث: “إن التأمل يدرب الدماغ على تحقيق التركيز المستمر، والعودة إلى هذا التركيز عندما يتطفل التفكير السلبي والعواطف والأحاسيس الجسدية – وهو ما يحدث كثيرًا عندما تشعر بالتوتر والقلق”.
وللمزيد من المحتوى اليومي المبني على دراسات علمية لنوم أفضل وتوتر أقل، قوموا بتحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي وتابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي.
