بالرغم أن الكثير من الأغاني وأبيات الشعر وحتى القصص العاطفية المشهورة تتغنَّى بالألم الناتج عن الحب وكم المرار الذي قد يحدث من وراءه، لكن الخبر الجيد، إن كنت في علاقة، هو أن يوم الاحتفال بالحب قد يكون أحد أكثر أيام السنة بهجة وصحة بالرغم من الشوكولاتة والحلويات التي ستتناولها في هذا اليوم!
يعود ذلك إلى أن الحب يأتي مع بعض الفوائد الصحية الرائعة، وذلك وفقًا للعديد من الأبحاث التي أجريت مؤخراً والتي قامت بدراسة تأثير الحب على الصحة النفسية.
ما هو الحب وكيف نشعر بتأثيره البيولوجي والكيميائي؟
تم تعريف الحب بطرق مختلفة، بداية من كونه إحساساً عميقاً بالمودة، إلى تجسيد للفضائل والسلوكيات التي توفِّر الحماية والثقة والأمل والدافع للنظر إلى المستقبل. وعلى مدى قرون، أوجد البشر طرقًا عديدة للاحتفاء بالحب كرابط يوفِّر كل ما ذكرناه.
ماذا تقول الأبحاث عن الحب؟
بعد قرون من التغني بالحب بشكل معنوي، وصل الانسان لفهم أعمق يفسّر كيفية تشكُّل الحب في داخلنا بيولوجياً وكيميائياً وبالتالي أثره في دعم صحتنا النفسية.
هذا الفهم يجعل البشر أكثر إقبالاً على إدراك قيمة وأهمية الحفاظ على علاقات المحبة والاستفادة من الآثار الإيجابية للحب على الصحة النفسية.
فالحب أكثر من مجرد شعور معنوي. ويقدم لنا العلم الآن دليلًا على أن ما نختبره عندما نكون في علاقات حب، يتضمن تغييرات على العديد من النواحي العصبية والهرمونات في أجسامنا، وبالتالي يؤثر على جميع أنظمتنا الجسدية والنفسية.
بيولوجياً، الحب يؤثر على تركيب وتكوين الدماغ وأجزاء جهازنا العصبي:
في كتاب “A General Theory of Love 2001″، يصف ثلاثة أساتذة في الطب النفسي أثر الحب بالطريقة التالية: “أن جهازنا العصبي ليس منفصلاً أو ذاتيَ العمل، فبدايةً من الطفولة المبكرة، فإن مناطق دماغنا التي تم تشكلها وتعريفها على أنها الجهاز الحوفي (والذي يتكون من الحصين، واللوزة، والنواة المهادية الأمامية والقشرة الحوفية) يتأثَّر بالأشخاص الأقرب منا ويعمل على خلق روابط معهم على مستويات متعددة، بطريقة لها آثار عميقة على الشخصية والصحة العاطفية وقد تمتد هذه الآثار لتصبح موجودة مدى الحياة.
ومن المثير للاهتمام، أنه من الممكن بالفعل رؤية أدلة على هذه الروابط عندما يتم البحث في هذا المجال بما له علاقة بإدارة التوتر والاكتئاب والقلق.
كيف تبدو العلاقة الصحية التي يسودها الحب؟
من المهم إدراك أن الأثر الإيجابي للحب يكون ضمن إطار العلاقات الصحية. ومن صفات هذه العلاقات الصحية ما يلي:
- ثقة أطراف العلاقة ببعضهم البعض.
- القدرة على مشاركة الأفكار والمشاعر مع الآخر دون التخوُّف من التعرُّض للسخرية.
- الاحترام المتبادل.
- كل شريك يقدِّر العلاقة ويخصص وقت للشخص الآخر.
- الإنصات للآخر والقدرة على التنازل في حال الخلاف.
- عدم الاعتماد بشكل كلي على الآخر.
- وجود حدود يتم احترامها من الطرفين.
- إمكانية النقاش والاختلاف دون عنف.
- عدم وجود أي شكل من أشكال الإساءة الجسدية أو العاطفية بين الطرفين.
اجعلوا الحب وقاية وعامل بناء لصحتكم النفسية
بناءً على كل ما تقدم، فإن للحب منافع عديدة. هذه المنافع تجعل من المغري الإقبال أكثر على علاقات صحية ممتلئة بالحب.
بحسب الدراسات وموقع تايم وموقع بريدج ريكفري، فبعض هذه المنافع قد تكون ما يلي:
الحب يجعلنا سعداء.
عندما نقع في الحب وخاصة في مراحله الأولى، يكون الدوبامين نشط بشكل ملحوظ، وهو المادة الكيميائية التي تمنحنا الشعور بالسعادة والمرتبطة بالمكافأة، ومن هنا نشعر بأننا فوق السحاب لأننا دخلنا في علاقة جديدة.
لكن أطراف الحب في هذه العلاقة الجديدة قد تعاني أيضًا من ارتفاع حاد في هرمون الإجهاد (الكورتيزول) وانخفاض متزامن في ناقل (السيروتونين العصبي) المنظم للمزاج، وذلك وفقًا لمعهد هارفارد للعلوم العصبية. قد يفسر ذلك بعض السلوكيات الخاطئة (مثل العاطفة الممزوجة بالقلق والهوس والعصبية) والتي غالبًا ما تترافق مع بداية حب جديد.
هل ينتهي تأثير الدوبامين مع مرور الوقت؟
تشير الدراسات إلى أن مستويات الدوبامين قد تظل مرتفعة حتى بعد مرور الزمن على علاقة الحب، ولكن من المحتمل أن مستويات الكورتيزول والسيروتونين تعود إلى وضعها الطبيعي، مما يساعد على الهدوء والاستقرار في العلاقة دون فقدان مزايا وتأثير الحب على الحالة المزاجية.
الحب ليس علاجًا لجميع الأمراض النفسية، ولكن من المؤكد أن الوقوع في الحب ووجود زوج داعم وعلاقة حميمة صحية تعزز السعادة.
تشير الأبحاث إلى أن العلاقة السعيدة والمستقرة، مرتبطة بصحة نفسية أفضل، ومستويات أقل من التوتر، والاكتئاب.
من ناحية أخرى ، يمكن أن يؤدي وجود علاقة سيئة إلى تفاقم الصحة النفسية. العلاقة غير المستقرة أو غير الصحية مع الشريك يمكن أن تزيد من التوتر والقلق.
التوتر يتبخّر مع الحب.
بعد أن تهدأ مرحلة شهر العسل في العلاقة، يبدأ الدوبامين في مشاركة الأثر مع مادة كيميائية أخرى في الدماغ وهي الأوكسيتوسين، أو هرمون الترابط. إن هذا لا يمنحنا فقط مشاعر “دافئة وغامضة” نحو الشريك ولكنه يمكن أن يكون مفيدًا أيضًا لصحتنا.
عندما يشعر الناس بالارتباط الآمن، تنخفض مستويات التوتر لديهم. فإن مجرد التواجد في حضور شخص يرحب بنا ويحتضننا باحترام ورعاية إيجابية يمكن في الواقع أن يخفض مستويات الكورتيزول والأدرينالين ويخلق توازنًا أكبر في دواخلنا، مما يعني أن المواد الكيميائية العصبية الخاصة في داخلنا قد عادت إلى التوازن.
الحب يساعدنا على العيش لفترة أطول.
أظهرت الأبحاث أن الأزواج يتمتعون بعمر أطول من العزاب، مما يجعل عبارة “حتى آخر العمر” أكثر من التزام، بل واقع فعلي. تشير الدراسات إلى أن هذه الفوائد طويلة الأمد يتم تفسيرها إلى حد كبير من خلال الدعم الاجتماعي والعاطفي المتسق، والالتزام الأفضل بالرعاية الطبية ووجود شريك يمكنه تشجيعك علـى سلوكيات نمط الحياة الصحية وتوجيهك بعيدًا عن السلوكيات السيئة.
وُجد أن الأشخاص المتزوجين لديهم معدلات أقل من تعاطي المخدرات، وضغط الدم منخفض، والاكتئاب أقل من أقرانهم غير المتزوجين.
الحب يعزز تقدير الذات.
يجب أن يكون كل شخص قادرًا على إيجاد قيمته الخاصة بعيدا عن العلاقات والأشخاص الآخرين. لكن أن تكون محبوبًا يضيف ذلك إلى الشعور بقيمة الذات. إن معرفة أن شخصًا ما يحبك يعني ذلك أنك مهم، وأن لديك قيمة، وأن وجودك مهم بالنسبة الى شخص آخر.
في أعماق المرض النفسي، قد يكون من المستحيل رؤية قيمتك الذاتية، خاصة في حالة اليأس من الاكتئاب أو الأفكار الانتحارية. في هذه اللحظات الرهيبة، يمكن أن يكون وجود شخص يحبك هو شريان الحياة الذي تحتاجه. قد يكون هو من يدفعك إلى العلاج عندما لا تكترث بفعل أي خطوة للخروج مما أنت فيه.
العلاقة الصحية تدعم العادات الصحية.
ترتبط العلاقة الصحية وشبكة الدعم الجيدة بالالتزام بعلاج الصحة النفسية مما يشير بشكل أكبر إلى أن العلاقة الإيجابية مع شريكك تدعم جميع أنواع العادات الصحية.
إذا كنت في علاقة حميمية صحية وسعيدة، فمن المرجح أن تتبنى خيارات أسلوب حياة صحي وتلتزم بها. ويشمل ذلك الأكل الصحي وممارسة الرياضة وتجنب تعاطي المخدرات. كل هذه العادات الصحية الجسدية تعزز الصحة النفسية الجيدة. قد تشجعك علاقتك أيضًا على الانخراط في عادات أكثر إيجابية للصحة النفسية، مثل الانفتاح على مشاعرك والانخراط في حل الخلافات بشكل مثمر.
حب الذات قبل كل شيء
هل سمعت من قبل عبارة: “لا يمكنك أن تحب أي شخص آخر حتى تحب نفسك”.
فإذا كنت تعاني أنت أو شريكك من أعراض أو مشاكل نفسية، فخصص بعض الوقت للتركيز على الرعاية الذاتية وكذلك رعاية بعضكما البعض. كن لطيفًا ورحيمًا مع نفسك، تمامًا كما تفعل مع شريك حياتك. اغفر عيوبك، ولكن اعمل أيضًا على تحسين ذاتك. احتضن أفضل سماتك وقدِّرها.
هل ينهي المرض النفسي أمل العيش بعلاقة حب؟
إذا كان لديك زوج أو شريك ويعاني أحدكما من مشاكل الصحة النفسية، قوما بإظهار الدعم لبعضكما البعض.
اتخذا خطوات فعالة للحصول على العلاج، والمشاركة في العلاج، والاستماع ومشاركة المشاعر، وحل النزاعات بشكل مثمر، لكي تستمرّا في العيش معًا بشكل جيد، حتى مع وجود المشاكل النفسية.
أخيرا، استمتعوا مع أحبائكم بمشاعر الحب ولا تترددوا في الاحتفاء بها.
وسيظل الحب يفاجئنا بالمزيد من الآثار الإيجابية على تحسين العافية والصحة النفسية.
وللمزيد من المحتوى اليومي المبني على دراسات علمية لنوم أفضل وتوتر أقل، قوموا بتحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي وتابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي.