من أصعب المواقف التي قد نمر بها أن نرى من نحبهم يعانون، لذا نحاول بذل أقصى ما في وسعنا لمساعدتهم. إذا كانوا يعانون من مرضٍ عضوي؛ يسهُل إقناعهم بالذهاب لتلقي العلاج لدى الطبيب المختص، لكن عندما يتعلق الأمر بمعاناتهم النفسية فالوضع يختلف؛ إذ يرفض كثيرون المساعدة النفسية أو الذهاب لتلقي العلاج النفسي وتتعدد أسباب رفضهم، لكننا -رغم ذلك- لا نريد أن نقف مكتوفي الأيدي. إذن كيف نعرف أن أحد المقربين منّا يعاني نفسيًّا؟ وكيف نقنعه بضرورة تلقي المساعدة النفسية اللازمة؟ وكيف نتصرف إذا رفض مساعدتنا؟
ما العلامات التي تدل على الحاجة إلى العلاج النفسي؟
قد تظهر المشكلات النفسية في أي مرحلةٍ عمرية -خاصةً في المراحل المبكرة مثل الطفولة والمراهقة– حيث يبدأ ظهور 50% من الحالات النفسية عند بلوغ سن 14 عامًا، و75% منها تبدأ في عمر 24 عامًا. كما تختلف من حيث تأثيرها ودرجة شدتها.
لا تظهر معظم المشكلات النفسية بشكلٍ مفاجئ أو عشوائي؛ لذلك عادةً ما يكون الشخص المقرب أو أحد أفراد الأسرة هو الأقدر على ملاحظة علامات التحذير التي تشير إلى وجود هذه المشكلات. ومن المفيد اكتشاف هذه العلامات مبكرًا؛ لأنه كلما طالت فترة المعاناة النفسية دون تشخيص، زادت احتمالية أن تصبح الحالة أكثر خطورة.
ولكل مشكلةٍ نفسية أعراضها الخاصة، لذا سيكون علينا الانتباه إذا لاحظنا على أحد أحبائنا أعراضًا مثل: الإفراط في مشاعر القلق أو الخوف أو الحزن أو الإحباط، أو مشكلات في التركيز والتعلم، أو التقلبات المزاجية الشديدة. كذلك ينبغي علينا التدخل لمساعدتهم إذا وجدناهم يتجنبون الانخراط مع الأصدقاء وفي المناسبات الاجتماعية، أو طرأت عليهم تغيرات في عادات النوم أو الأكل. كما يمكن أن تظهر الأعراض في صورة مشكلات صحية؛ مثل: ألم بالمعدة أو الظهر أو صداع أو أي مشكلات أخرى لا نجد لها سببًا.
لا يمكن لواحدٍ أو اثنين فقط من هذه الأعراض أن يكون دليلًا كافيًا على مرض نفسي، ولكن قد يشير إلى الحاجة إلى مزيدٍ من التقييم. إذا كان الشخص يعاني من عدة أعراض في وقتٍ واحد، وتؤثر الأعراض بشكلٍ كبيرٍ في الدراسة أو العمل أو العلاقة بالآخرين، فيجب أن يراه طبيب أو معالج نفسي. لكن تكمن المشكلة إذا رفض الشخص فكرة العلاج أو الاستشارة النفسية.
لماذا قد يرفض أحدهم المساعدة أو العلاج النفسي؟
في مقالةٍ سابقة ذكرنا بعض أسباب تأجيل خطوة العلاج النفسي؛ مثل: «التكلفة المرتفعة للعلاج، والوصمة الاجتماعية، وعدم إدراك أن لدينا مشكلة نفسية، والاعتقاد بقدرتنا على التعامل مع مشكلاتنا النفسية بمفردنا». لكن عندما يتعلق الأمر بأحبائنا يجب أن نعرف المزيد؛ حيث إن محاولة فهم دوافع رفضهم للمساعدة النفسية، ستساعدنا في تحديد بعض الوسائل التي تشجعهم على طلب المساعدة. كما يجب علينا ألا نحاول الحصول على إجابةٍ مباشرة منهم؛ لأن طرح سؤال «لماذا ترفض العلاج؟»، قد يخلق المزيد من المقاومة.
فيما يلي بعض الأسباب الشائعة الأخرى التي قد تمنع الأشخاص من طلب العلاج النفسي:
اليأس: قد يعتقد الشخص أن حالته ميؤوس منها وبلا علاج؛ فعلى سبيل المثال، السمة المميزة لاضطراب الاكتئاب هي اليأس. إذا كان الشخص يعتقد أن لا شيء سيتحسن، فلماذا يبذل الجهد؟
كما قد يمر البعض بتجارب سيئة مع العلاج، فيستنتجون أنه لا يوجد شيء يمكن أن يُحدث تأثيرًا إيجابيًا فيهم.
تجنب مواجهة المشاعر المفرطة: الأشخاص الذين يعانون نفسيًّا لديهم بالفعل مشاعر قوية تغمرهم. قد يحاولون تجاهل أو تجنب هذه المشاعر كطريقة للتعامل مع معاناتهم، وكذلك يتجنبون العلاج للسبب نفسه.
تجنب الشفقة: يشعر بعض المصابين بمشكلاتٍ نفسية أن طلب المساعدة يعني أنهم لا يستطيعون الاعتناء بأنفسهم، ويستدعي الشفقة من الآخرين.
تدني احترام الذات: يؤمن البعض بعدم قدرتهم على إحداث تغييرات في حياتهم، ويشعرون بالسوء حيال وضعهم ويلومون أنفسهم. وعندما يخبرهم الآخرون بما يجب عليهم فعله، قد يؤكد ذلك شعورهم بالفشل.
ماذا نفعل إذا رفض أحباؤنا المساعدة وتلقي العلاج النفسي؟
إنّ رفض من نهتم لأمرهم للعلاج النفسي يمثل إحباطًا كبيرًا لنا. ومع ذلك، علينا أن ندرك عدم إمكانية إجبارهم على ذلك، باستثناء الحالات التي تشكل خطرًا على أنفسهم وعلى الآخرين أو تظهر عليهم فيها علامات الذهان والهلاوس. إن إجبارهم على العلاج قد يؤثر في علاقتنا بهم وعلى مدى استجابتهم للعلاج، وربما تتدهور حالتهم النفسية. في تلك الحالة، كيف نقدم لهم المساعدة اللازمة ونشجعهم على الوصول إلى خدمات ومُقدمي الرعاية الصحية وطرق الدعم المناسب؟
- معاملتهم كأشخاصٍ بالغين، واحترام حريتهم في اختيار طريق العلاج من عدمه.
- توضيح وذكر ما نلاحظه عليهم من تَغيُّراتٍ وعدم لومهم على ذلك، ونتأكد من أن نبرتنا ليست انتقادية أو هجومية. سيخلق ذلك حوارًا وديًّا يسمح بالتطرق إلى الصعوبات والأعراض التي يعانون منها.
- طمأنتهم وتعزيز اهتمامنا وحبنا لهم بالتأكيد على أننا موجودون من أجلهم، وتوفير الوقت والاستعداد للاستماع إليهم متى شعروا بالرغبة في التحدث.
- الاستماع الفعّال إلى مخاوفهم وأسباب رفضهم. نطرح عليهم الأسئلة ثم نستمع دون إبداء أحكام. نساعدهم على المضي قدمًا في عمليات التفكير الخاصة بهم حتى يتمكنوا من التوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة حول صحتهم. الاستماع أداة قوية تُظهِر لهم مدى اهتمامنا.
- بمجرد أن نفهم أسباب رفضهم، نحاول مناقشتهم في المنطق وراء تفكيرهم. ويجب أن نتسلح بالمعلومات الموثوقة والسليمة عن العلاج النفسي والاستشارة النفسية، لشرح كيف يمكن للعلاج أن يساعدهم ويجعلهم أكثر قدرة على تحقيق أهدافهم في الحياة.
- نعرض المساعدة الفعلية عبر توفير أرقام هواتف لمختصي الصحة النفسية، أو الذهاب معهم إلى موعد الاستشارة.
- في حالة بدء العلاج، يجب أن نكون جزءًا من نظام الدعم وخطة العلاج المستمرة؛ بطمأنتهم والحضور بشكلٍ أكثر فاعلية. ولا ننسى مع كل ذلك أن نساعد أنفسنا للحفاظ على صحتنا النفسية والحضور لدعم أحبائنا.
كيف نساعد أنفسنا بينما نساعد من نحب؟
يمكننا فقط التحكم بأفعالنا وسلوكياتنا، لذا يجب ألا نأخذ رفضهم لمساعدتنا على محملٍ شخصي؛ فهم يملكون أسبابهم. كما أن مواصلتنا دعمهم قد تؤتي ثمارها. لكن لا يمكننا مساعدة الآخرين إلا إذا كانت حالتنا تسمح بذلك. لذلك فإن اعتناءنا بصحتنا النفسية يعني أنه سيكون لدينا الطاقة لمساعدة الآخرين مرةً أخرى. ما الذي يمكننا فعله؟
- ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والحصول على قسطٍ كافٍ من النوم.
- نأخذ استراحة عندما نحتاج إليها؛ فإذا كنا نشعر بالإرهاق بسبب استهلاك الكثير من الوقت أو الطاقة في دعم شخصٍ ما، فإن تخصيص بعض الوقت لأنفسنا يمكن أن يساعد على الشعور بالانتعاش.
- أن نكون واقعيين بشأن ما يمكننا فعله؛ فبرغم قيمة وأهمية دعمنا، يبقى الأمر متروكًا لمن نرغب في مساعدتهم. علينا فقط تذكر أن الأشياء الصغيرة والبسيطة يمكن أن تساعدهم، وأن مجرد الحضور من أجلهم ربما يساعد كثيرًا.
- مشاركة أعباء الرعاية مع آخرين يمكنهم المساعدة؛ فغالبًا ما يكون دعم شخص ما أسهل إذا كنا لا نفعل ذلك بمفردنا.
- التحدث إلى شخصٍ نثق به حول ما نشعر به؛ للحصول على الدعم النفسي.
هونوها وتهون
إن طريق العافية النفسية طويل ومليء بالعقبات. إنه أشبه ببناءٍ كبيرٍ نريد إعادة بنائه ونحتاج إلى أن نقوم بذلك بسواعدنا وسواعد من يهتمون لأمرنا. لذا علينا أن نعي أن رفض أحد المقربين منا لمساعدتنا ليس رفضًا لنا؛ إنهم يعلمون أننا نريد راحتهم، لكن قد تكون الخطوة الأولى لتحقيق ما نريد منهم ثقيلةً عليهم. وفي هذه الحالة، ليس علينا سوى الصبر والمثابرة ومواصلة دعمهم لمساعدتهم على اتخاذ هذه الخطوة.
ولدعم صحتكم النفسية أنتم وأحبائكم، يحتوي تطبيق «تهون» على محتوى صوتي أصلي ومتجدد باللهجة الخليجية للتعامل مع التحديات اليومية؛ مثل: التوتر، وصعوبات النوم، وقلة الإنتاجية. بالإضافة إلى الوصول إلى أهدافٍ الطويلة المدى؛ مثل أن نستبدل بالعادات غير الصحية عاداتٍ صحية وأنماط تفكير إيجابية. يمكنكم تحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي ومتابعتنا على مواقع التواصل الاجتماعي.