استيقظت «منال» على مكالمة هاتفية من مديرها في العمل، يخبرها بإعداد تقرير مهم ليعرضه على مستثمرٍ كبيرٍ ليتوسع في عمله. لم تكن قد نالت قسطًا كافيًا من النوم، وكان عليها أن تنهي هذا التقرير خلال ساعتين فقط وترسله عبر الإيميل. وفي الوقت نفسه توقظ أطفالها وتحضر لهم طعام الإفطار وتضعه في حقائبهم وتساعدهم في ارتداء ملابسهم، ثم تأخذهم إلى مدرستهم. كل ذلك عرضها إلى جرعةٍ كبيرة من الضغط الشديد، وكان لا بُد لها أيضًا أن تتعامل معه. لكن ما هو الضغط النفسي؟ وكيف تعرف أنك تعاني منه؟ وما تأثيره عليك؟ وكيف تتعامل معه؟
اعرف عدوك: ماذا تعرف عن الضغط النفسي؟ هل هو فرصة أم تهديد؟
وفق منظمة الصحة العالمية، فإن الضغط النفسي هو رد فعل نفسي وجسدي طبيعي للمواقف الإيجابية أو السلبية في حياتك، مثل الالتحاق بوظيفةٍ جديدة أو وفاة شخص عزيز عليك. والضغط النفسي ليس أمرًا سيئًا في حد ذاته، لكن ما يهمنا هو كيفية التعامل معه.
قد يُحسِّن الضغط النفسي التركيز لفترةٍ قصيرة بسبب ما يفرزه الجسم من هرمونات ومواد كيميائية، مثل الأدرينالين الذي يرتفع تركيزه في الدم من أجل زيادة انتباه الحواس، مما يساعد الجسم على التركيز على المهام المطلوبة منه. لذلك يكون الضغط النفسي مفيدًا عندما تحتاج إلى أداء مهمة معينة قصيرة المدى. لكن مع مرور الوقت كلما زاد الضغط الذي تتعرض له زادت حاجتك للتركيز على التخلص من أسباب التوتر الذي تشعر به، مما يُدخلك في حلقةٍ مفرغة.
في كتابه «إدارة الضغط النفسي الوقائي في المنظمات»، يذكر الدكتور «جيمس كامبل» أنه غالبًا ما يمدنا الضغط النفسي بالطاقة والحافز لمواجهة تحدياتنا اليومية المؤقتة سواء في المنزل أو العمل. ويساعدنا للارتقاء إلى مستوى التحدي وتحقيق أهدافنا مثل المواعيد النهائية أو المبيعات أو أهداف الإنتاج. وفي هذه الحالة يكون الضغط النفسي فرصة؛ حيث يُمكّن الناس من إظهار مواهبهم ومهاراتهم ومعرفتهم.
وقد يُشكِّل الضغط النفسي تهديدًا لصحة الشخص ورفاهيته، عندما يأتي بشكلٍ مكثف ومتكرر أو يمتد لفترةٍ طويلة. وعندما نتجاهل علامات الإنذار المبكر له. كما يصبح تهديدًا للشخص الذي يعمل في وضع غير صحي يَصعُب أو يستحيل معه تحقيق النجاح.
لذا، من الخطورة أن تتجاهله، فقد يُدخلك في تلك الدوائر المفرغة من الألم النفسي والجسدي.
هناك العديد من المواقف التي يمكن أن تسبب التوتر والضغط النفسي. يقول الدكتور «جاري براون»، الاستشاري النفسي بمركز كابيتال هيلث الطبي في نيو جيرسي، إن بعض الأسباب الأكثر شيوعًا تشمل: صراعات العلاقات في المنزل، ومسؤوليات العمل الجديدة أو المتزايدة، والضغوط المالية. كما تشمل فقدان أحد أفراد الأسرة، والمشاكل الصحية، والانتقال إلى مكانٍ جديد، والتعرض لأحد الحوادث المؤلمة.
ثلاثة أعراض خفية للضغط النفسي
إن اكتشاف علامات أو أعراض الضغط النفسي هو الخطوة الأولى في تطوير طرق إدارة آثاره الضارة. إذ يمكن أن يظهر الضغط النفسي المفرط بعدة طرق. وبحسب موقع «كليفلاند كلينيك»، أن بعض العلامات الجسدية والنفسية والعاطفية الأكثر شيوعًا هي: سرعة دقات القلب. وارتفاع ضغط الدم. والشعور بالإرهاق والإعياء. والأكل بنهم. وصعوبة النوم والخوف من أبدية الضغوطات، والتغييرات السلوكية مثل: الانسحاب الاجتماعي، ومشاعر الحزن، والإحباط، وفقدان السيطرة على المشاعر، والتدخين بشراهة.
ومع ذلك، هناك بعض الأعراض الخفية التي قد لا تلاحظها بسهولة أو تربط بينها وبين الضغط النفسي. وهي ضارة بنفس القدر. نذكر منها ثلاث علاماتٍ هامة:
- الأوجاع والآلام غير المبررة: ألم في الرقبة والكتفين والظهر، والصداع النصفي، والخمول غير المبرر أو انخفاض مستويات الطاقة.
- الإفراط في أنشطة التخدير (التسلية): القليل من التسلية يمكن أن يكون مفيدًا لنا؛ حيث نمنح أدمغتنا استراحة مستحقة. لكننا قد نفرط فيها لدرجة تستهلك أفكارنا وعواطفنا حتى لا نمتلك القدرة على التفكير أو الشعور بالضغط النفسي والأشياء المجهدة في حياتنا. ومن هذه الأنشطة: قضاء وقت طويل على مواقع التواصل الاجتماعي، والتسوق، وألعاب الإنترنت.
- الإصابة بنزلة برد: تشير الطبيبة «شيريل كارمين»، الاستشاري النفسي في مركز ولاية أوهايو ويكسنر الطبي، إلى أن العلامة الخفية قد تكون بسيطة، مثل الإصابة بنزلة برد، في حين أنك نادرًا ما تصاب بنزلة برد؛ فقد تكون هذه إشارة إلى أنك تتعرض للضغط النفسي والإجهاد.
الضغط النفسي والاكتئاب، هل يجتمعان؟
يرتبط الضغط النفسي بحدوث بعض الأمراض النفسية والجسدية، مثل: أمراض القلب، والسكري، ومشاكل الجهاز الهضمي، وارتفاع ضغط الدم، وهنا نقدم لك طرق ضبط ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالتوتر.
يشير الدكتور «ديفيد بريسكوت»، استشاري الصحة العامة في جامعة هاسون، إلى أنه يمكن أن تكون آثار التوتر المزمن أو طويل الأمد ضارة عمومًا. ولكنها قد تساهم أيضًا في الاكتئاب. ويُسمي علاقة السببية بين التوتر والاكتئاب بالعلاقة «ثنائية الاتجاه»؛ حيث يمكن أن يسبب أحدهما الآخر، والعكس، وكلاهما يمكن أن يجعل بعضهما البعض أسوأ.
كما تقول الدكتورة «كارول لانداو»، أستاذة علم النفس الإكلينيكي في جامعة براون: «إن تأثير الضغط النفسي على الاكتئاب، والعكس صحيح، هو أحد أهم مشاكل عصرنا».
كيف تؤثر الأعراض الخفية على نشاطك اليومي؟
وفق موقع «مايند» للصحة النفسية، يؤثر الضغط النفسي على عواطفنا وأجسادنا وطريقة تصرفنا بعدة طرق مختلفة. من الممكن أن يتسبب في إحباطك وفقدانك الرغبة في المواصلة، وسرعة الانفعال والغضب في معظم المواقف، أو المعاناة من الأرق ومشاكل في علاقاتك. وربما تجد صعوبة حتى في ممارسة الروتين اليومي المعتاد، وصعوبة في اتخاذ القرارات، وعدم القدرة على التركيز أو تذكر الأشياء، أو التحرك الانفعالي المستمر دون رغبة في الجلوس، أو التأثير على القدرة الجنسية. كذلك قد يخفض أداءَك الوظيفي ومستوى إنتاجيتك، أو يتسبب في تأخرك على اجتماعاتك، أو اتخاذ قرارات خاطئة، أو ربما إهمال العمل كليًا. ما الذي يمكنك فعله للتغلب على كل ذلك؟
خمسة طرق لإدارة الضغط النفسي أثناء العمل
لا يمكنك تجنب الضغط النفسي أو منعه تمامًا، وحتى الأحداث الإيجابية في الحياة يمكن أن تكون مرهقة. لكن ضع في اعتبارك تفويض الآخرين والعثور على مصادر للدعم. فقد يكون من الصعب التخطيط لحفل زفاف بمفردك، ولكن مع وجود بعض الراغبين في مد يد العون تكون الأمور أيسر.
وهناك طرق مختلفة للسيطرة على الضغط النفسي مثل: التأمل، وزيارة المتاحف، واستخدام كرة الضغط، ومشاهدة فيديوهات كوميدية، والتلوين، وترتيب غرفتك، وقراءة الكتب. ولأن ضغوطات الحياة اليومية وتفاصيل العمل من أهم مسببات الضغط النفسي، إليك خمسة طرق للتحكم فيه أثناء العمل، تقدمها الجمعية الأمريكية لعلم النفس:
إبطاء التنفس
عندما نشعر بالقلق، فإننا نميل إلى أخذ أنفاس سطحية سريعة، مما يعمق قلقنا. لمواجهة هذا، قم بإبطاء تنفسك. استنشق الهواء ببطء وعمق من خلال أنفك وعد إلى أربعة. احبس أنفاسك لمدة ثانية إلى ثانيتين، ثم ازفر ببطء مع العد إلى أربعة. كررها عدة مرات.
خذ استراحة
إذا شعرت بأنك تعمل تحت ضغط شديد، فابتعد عن الموقف لتهدأ وتُصفي ذهنك. سيساعدك تناول وجبة خفيفة أو تغيير الغرفة التي تتواجد فيها أو الخروج لاستنشاق بعض الهواء النقي على الاسترخاء وإعادة الشحن.
راقب الضغوطات التي تتعرض لها
حدد المواقف التي تسبب لك أكبر قدر من التوتر ومدى استجابتك لها، وسجلها في دفتر يوميات لمدة أسبوع أو أكثر. سجل أفكارك ومشاعرك ومعلومات وتفاصيل حول بيئة العمل. يمكن أن يوجهك تدوين الملاحظات إلى معرفة أنماط بين مسببات الضغط النفسي وردود أفعالك تجاهه.
ابحث عن التوازن
من المهم أن توازن بين حياتك الشخصية وعملك. نظم جزءًا من وقتك لتعمل فيه بشكلٍ مريح دون أن تطغى على نفسك؛ حيث أن استنفاذ كل طاقتك في العمل لا يعني عادةً العمل بكفاءة، بل من الممكن أن يقلل من الإنتاجية.
تحدث مع مديرك
ترتبط صحة الموظف بقدرته على الإنتاج، لذلك لدى رئيسك حافزًا لخلق بيئة عمل تعزز رفاهيتك. ابدأ بإجراء محادثة مفتوحة مع مديرك، ليس الغرض منها وضع قائمة بالشكاوى، بل الخروج بخطة فعالة للتعامل مع الضغوطات التي حددتها. حتى تتمكن من تقديم أفضل أداء لديك في العمل.
وللمزيد من المحتوى اليومي المبني على دراساتٍ علمية للعناية بالصحة النفسية ولنومٍ أفضل وتوتر أقل، يمكنك تحميل التطبيق من متجر آب ستور أو جوجل بلاي ومتابعتنا على مواقع التواصل الاجتماعي.